أخوأن من المحدثين الحفاظ من أهل عسقلان بين أواخر القرن الثاني الهجري وأواسط القرن الثالث، هما الحسين ومحمد ولدا المتوكل بن عبد الرحمن بن حسان الهاشمي بالولاء.
كانت عسقلان في تلك الفترة، من أيام الرشيد إلى المتوكل، تنمو وتزداد في الشأن، وتصبح إلى جانب كونها مركزاً دفاعياً حصيناً ينزله المرابطون في نهاية الساحل الشامي أيام الأمويين مركز نشاط تجاري وعقدة مواصلات على الطريق بين مصر والشام والحجاز.
وقد زاد هذا النشاط بخاصة بعد تمادي الاضطرابات في العراق في تلك الآونة.ورافق هذا النمو الاقتصادي تكاثر سكاني يوازيه وحركة علمية نشيطة اتجهت بصورة خاصة إلى علم الحديث النبوي. وكانت العناية بالحديث رواية وجمعاً وحفظاً وتصنيفاً هي العلم الرائج المطلوب في تلك الفترة في مختلف الأمصار الإسلامية.
وكما تكون في كل مصر شبه مدرسة في هذا العلم يحملها حفاظ ذلك المصر جيلاً بعد جيل فيرون ويتوارثون ما لديهم من الحديث، ويستكثرون منه بالرحلة والرواية عن الآخرين. كذلك أظهرت في عسفلان منذ أواخر القرن الأول الهجري مدرسة من حفاظ الحديث كان من رجالها.
– أبو بكر أبان بن صالح بن عمير القرشي* الذي ولد سنة 60هـ آخر أيام معاوية وتوفي سنة بضع عشرة ومائة هجرية أيام هشام بن عبد الملك. وقد عاصره الرواية الآخر الحسن بن عمران العسقلاني.
– ثم برز حفيد عمر بن الخطاب*، وهو عمر بن محمد بن يزيد بن عبد الله بن عمر. وكان من الرواة والزهاد. وتوفي سنة 150هـ.
– وتلاه آدم بن اياس*، ثم الوارث بن الفضل العسقلاني وداود بن الجراح العسقلاني* ما بين أواخر القرن الثاني وأواسط الثالث.
وقد جاء ولدا ابن أبي السري في نطاق هذه المدرسة في عسقلان وضمن خطها من الاهتمام بالحديث فدرسا على هؤلاء العلماء الأخيرين.
وإذا كان قد صار من عادة علماء الحديث في تلك الآونة أن يرحلوا في طلبه خارج بلادهم فقد ضرب الأخوان، كل على حدة، في البلاد. ويبدو أن محمداً رحل إلى الرملة* ودمشق وحمص والبصرة ومكة، وأن الحسين رحل إلى دمشق وحمص والكوفة ومكة, وكان شيوخ الأول أكثر عدداً، كما كانت رواياته أوسع وله نظر في علم النجوم لدرجة أنه – فيما يقولون – تنبأ بليلة وفاته. بينما كان أكثر ثقة عند المحدثين. وربما شكك في علم أخيه، ولذلك كان من بين الذين أخذوا عن الحسين عدد من كبار علماء الحديث كابن ماجة والترمذي. وقد جاؤوه في فلسطين وأخذوا عنه، ولم يذكر أنهم سمعوا من أخيه.
وكان الأخوان من الأضواء الأخيرة لمدرسة الحديث بعسقلان، قلم يبرز بعدهما إلا القليل من تلاميذهما مثل داود بن الجراح العسقلاني ومحمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني* وأبي عبد الله محمد بن عمرو بن الجراح* الغزي وابنه عبد الله من بعده. وجميعهم من رجال القرن الثالث للهجرة.
وعلى أن الحركة العلمية لم تمت في عسقلان بعد ذلك بل غيرت اتجاهها الثقافي بعض التغيير. فإذا كان ارتباط عسقلان السياسي والاقتصادي والفكري في العصر العباسي* الأول يحذبها إلى العراق والمشرق ويوجهها مع التيار العلمي العام إلى الاهتمام بالحديث النبوي فإنها ارتبطت بعد القرن الثالث بمصر وأصبحت همزة الوصل بينها وبين فلسطين. ولم تكن مصر من مراكز علم الحديث الضخمة، علاوة على أن اتجاهات أخرى في الثقافة العربية الإسلامية كانت قد برزت واستأجرت أيضاً بنشاط الناس. ولذلك اتجه البارزون في تاريخ عسقلان الثقافي بعد القرن الثالث الهجري في الأغلب إلى اللغة والأدب والشعر. واذا لم يحسب فيهم ابن نباتة عبد الرحيم بن محمد العسقلاني اللخمي خطيب الجهاد المشهور أيام سيف الدولة بوصفه قد ولد ومات في ميا فارقين سنة 374هـ فمنهم الفقيه المقرىء محمد بن أحمد الملطي المتوفي بعسقلان سنة 387هـ. وأبو الفتح أحمد بن مطرف العسقلاني القاضي بدمياط الذي اشتهر شاعراً ومؤلفاً في الأدب واللغة وتوفي سنة 413هـ، ومعاصره أبو علي الحسن بن أحمد بن أبي الناس العسقلاني الأديب الشاعر المتوفي سنة 411هـ، وأبو علي الحسن بن أبي الشحباء العسقلاني الشاعر صاحب الخطب المشهورة والنثر المتين المتوفي سنة 482هـ. والقاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساتي العسقلاني أبرز كتاب القرن السادس الهجري.
توفي محمد بن أبي السري في عسقلان سنة 238هـ وتوفي أخوه الحسين فيها أيضاً سنة 240هـ.
المراجع:
– ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب، حيدر آباد 1325 – 1327هـ.
– ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب في أخبار من ذهب، القاهرة 1931.
– محمد بن أحمد الذهبي: العبر في أخبار البشر، الكويت 1960.