وقعت اشتباكات خطيرة بين مصر و(إسرائيل) على حدود النقب في آب 1955 انتهت باحتلال (إسرائيل) لمنطقة العوجة. وسبقت ذلك صفقة شراء مصر للأسلحة من تشيكوسلوفاكيا. وقد استشفت إنكلترا والولايات المتحدة من ذلك أن محاولاتها لكسب المنطقة العربية ضد ما يسمى “الخط السوفييتي” ستبقى فاشلة حتى يسوى النزاع العربي – الإسرائيلي. وتبين لإنكلترا بعد مقابلة تمت بين أنطوني إيدن رئيس الوزراء البريطاني والجنرال برنز كير المراقبين الدوليين أنه لا الأمم المتحدة ولا الدول الكبرى في وضع يمكنها من إرغام (إسرائيل) على الانسحاب واحترام قرارات الأمم المتحدة.
في هذا الجو جرت مشاورات بين إيدن ودالاس وزير الخارجية الأمريكية للوصول إلى حل يحسم النزاع. وفي 26/8/1955 أعلن دالاس مقترحاته في الموضوع (رَ: دالاس، مشروع) ثم تبعه إيدن فعرض مشروعاً لحل القضية الفلسطينية في خطاب ألقاه يوم 9/10/1955 أثناء الوليمة التقليدية لرئيس بلدية لندن. وقد أشار إيدن في خطابه إلى تردي الموقف في العوجة، وتدفق الأسلحة السوفييتية إلى المنطقة، وضرورة بذل محاولة جديدة لتسوية النزاع.
ثم أشار إلى اقتراحات دالاس التي لم تلق الترحيب، ولكنه أعاد الكرة واقترح الاهتداء بها. ووضّح مشروعه في النقاط التالية:
1) يستند موقف (إسرائيل) إلى الواقع العسكري المتمثل بحدود رسمتها اتفاقيات الهدنة عام 1949 بينما يستند موقف الدول العربية إلى قرارات الأمم المتحدة “وبالتحديد قرار التقسيم لعام 1947”.
2) ترى الحكومة البريطانية أن الاختلاف بين الموقفين ليس على درجة كبيرة من الاتساع بحيث لا يمكن لأية مفاوضات مجدية أن تجد حلا له. ولا بد من أن يقدم الطرفات العربي والإسرائيلي تنازلات لسد الثغرة بين الموقفين المتعارضين.
3) لا يمكن إهمال قرارات الأمم المتحدة، كما أنه لا يمكن تطبيقها بحرفية دون تعديل. “ليس من الحق تجاهل قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين يمكن الآن تطبيقها كما هي؟”.
4) لا بد من وضع حد لمأساة اللاجئين، وذلك عن طريق تقديم مساعدة مالية لتسوية مشكلتهم.
5) تبدي الحكومة البريطانية استعدادها للمساعدة في الوصول إلى حل وسط وتقديم الخدمات الممكنة لتحقيق تسوية سلمية عن طريق المفاوضات.
رفض رئيس وزراء (إسرائيل) دافيد بن غوريون مشروع إيدن، على أساس أن “غزو الدول العربية أرض إسرائيل في حرب 1948* جعل كافة قرارات الأمم المتحدة حول فلسطين لاغية وباطلة”، ووصف المقترحات البريطانية بأنها “لا يبررها القانون ولا الأخلاق ولا المنطق”.
أما في الجانب العربي فقد صرح الرئيس المصري جمال عبد الناصر* يوم 28/11/1955 “أن إيدن لم يتقدم بأية مقترحات محددة تتطلب دعماً مصرياً بل عاد إلى التقاط قرارات الأمم المتحدة من جديد، مما يشكل في نظر مصر اعترافاً بحقوق الشعب العربي الفلسطيني الذي اغتصب وطنه عندما كان خاضعاً للانتداب البريطاني”. وأعلنت الحكومة الأردنية على لسان ناطق رسمي أنها لن تتخذ أي قرار بشأن اقتراحات إيدن ما لم توافق عليها حكومات الدول العربية الأخرى. وقال الناطق “هذه هي المرة الأولى التي تقترب فيها اقتراحات غربية من وجهة النظر العربية التي تطالب بتنفيذ مشروع الأمم المتحدة في التقسيم”.
وبالنظر للنيات الإسرائيلية التوسعية لم يلق مشروع إيدن تأكيد الكيان الصهيوني فطوي.
المرجع:
– مهدي عبد الهادي: المسألة الفلسطينية ومشاريع الحلول السياسية 1934 -1974، بيروت 1975.