في أول بيان أمريكي صدر منذ العدوان الثلاثي على مصر (رَ: حرب 1956) وجه الرئيس الأمريكي أيزنهاور يوم 5/1/1957 رسالة إلى الكونغرس بعنوان “ضمان الأمن والاستقلال في الشرق الأوسط ودعم السلام العالمي” أعلن فيها مقترحات محددة عرفت باسم مشروع أيزنهاور. وتضمن البيان إشارات قليلة إلى الأفكار والمخاوف والمشاعر التي انتظمت الوطن العربي إثر العدوان الثلاثي: “منذ وقت قريب نشبت حرب تورطت فيها دول عربية تمارس نفوذاً كبيراً في المنطقة، لقد قوى الهجوم الإسرائيلي الكبير نسبياً الفروق الأساسية بين إسرائيل وجيرانها العرب، واستغلت الشيوعية الدولية كل هذا العجز… وهذا المشروع لن يحل جميع مشكلات الشرق الأوسط… هنالك مشكلة فلسطين، وعلاقات إسرائيل بالدول العربية، ومستقبل اللاجئين العرب، وهنالك مشكلة مستقبل قناة السويس. وقد تضاعف خطر هذه المشكلات بسبب تهديد الشيوعية الدولية الذي ينبغي إبعاده”.
وبما أن العدوان الثلاثي على مصر كان قد نقص البيان الثلاثي* لعام 1950 القاضي بالمحافظة على الوضع الراهن في الشرق الأوسط فقد عملت الولايات المتحدة الأمريكية على تطويق مضاعفات انحسار النفوذ البريطاني والفرنسي من المنطقة العربية مدعية مواجهة اجتمالات غزو سوفييتي، فأعلنت منفردة تحملها مسؤولية المحافظة على الوضع الراهن، وأذاعت مشروع أيزنهاور الذي قصد منه أساساً أن يعالج ما يسميه “احتمالات الغزو الشيوعي المباشر وغير المباشر”. وعلى الرغم من أن أيزنهاور وصف أحداث العدوان الثلاثي بأنها “حرب” و”هجوم إسرائيلي كبير نسبياً فقد رأى أنها ليست بذات بال إذا قيمت بما أسماه بخطر الهجوم الشيوعي الدولي.
والمشروع الأمريكي يهدف إلى ملء الفراغ “الذي تركه العرب في الشرق الأوسط على صعيدين: اقتصادي بمساعدة أية دولة شرق أوسطية على تنمية أحوالها الاقتصادية، وعسكري باتخاذ تدابير عسكرية تشمل استعمال القوات الأمريكية المسلحة “لضمان وحماية “الكيانات الإقليمية والاستقلال السياسي للدول التي تطلب هذا العون في سبيل “مواجهة أي عدوان مسلح مكشوف من قبل أية دولة تسيطر عليها الشيوعية الدولية”.
في 9/3/1957 صادق الكونغرس الأمريكي على مشروع أيزنهاور، وجرى تصنيف دول الشرق الأوسط بحسب موقفها من المشروع إلى موالية للغرب وغير موالية له.
وفي 23 آذار أعلنت واشنطن أنها ستضم إلى اللجنة العسكرية لحلف بغداد* وأرسل أيزنهاور مبعوثه جيمس ريتشارد إلى الشرق الأوسط فاستطاع أن يكتسب لصالح المشروع بعض الحكومات العربية ودول المنطقة. فأعلنت ليبيا وتونس والمغرب وباكستان وإيران وتركيا موافقتها على المشروع، وقبل العراق به على أن تكون المساعدة غير مشروطة، وهاجمته سورية، ورفضته مصر. وكان لبنان في عهد رئاسة كميل شمعون الدولة العربية الوحيدة التي التمست المساعدة العسكرية في إطار مشروع أيزنهاور عندما تفاقمت الاضطرابات فيها.
أما (إسرائيل) فقد أعلنت يوم 21/5/1957 تأييدها للمشروع، ورحبت بالعون الأمريكي وبوجوب بذل كل جهد لتحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط وفي العالم. ولهذه الغاية تتعاون مع الولايات المتحدة والحكومات الصديقة، وتعبر عن تقديرها للحكومة والشعب الأمريكي لاهتمامهما بتقدم حكومة (إسرائيل) وبذل المساعدة لها. ونوهت الحكومة الأمريكية في اليوم نفسه بالبيان الإسرائيلي المساند لمقترحات أيزنهاور، وأعلنت أنها تشارك في المبادىء والأهداف التي وردت في البيان المذكور وتؤيدها.
وبذلك أدمجت الإدارة الأمريكية (إسرائيل) صراحة بأهداف سياستها تحت ستار التركيز على تهديد شيوعي مزعوم في الشرق الأوسط متجاهلة نزعة (إسرائيل) العدوانية وتهديدها للسلم والأمن في المنطقة.
إلى جانب ذلك قامت الولايات المتحدة بحملة ضغط وتحريض على سورية ومصر للحيلولة دون سيرهما في طريق التحرر والوحدة.
أما الاتحاد السوفييتي فقد نظر إلى مشروع أيزنهاور بوصفه محاولة لنسف قواعد النفوذ البريطاني- الفرنسي في الوطن العربي وإحلال النفوذ الأمريكي الاقتصادي والعسكري محله. وأرسلت موسكو إلى واشنطن مذكرة تحتوي على ستة مبادىء تصلح أساساً لعلاقات الدول الكبرى مع بلدان الشرق الأوسط، وتستند إلى تسوية النزاعات بالطرق السلمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والكف عن محاولات زج بلدان الشرق الأوسط في التكتلات العسكرية، وإزالة القواعد العسكرية، وسحب الجيوش الأجنبية وحظر شحن السلاح، وتنشيط التطور الاقتصادي دونما شروط عسكرية ملحقة به. وقد رفضت الولايات المتحدة هذه المبادىء.
تجاهل مشروع أيزنهاور أسباب النزاع العربي – الصهيوني وجوهره قضية فلسطين، فنجح مؤقتاً في تثبيت الوضع الراهن في المنطقة وأخفق في حل القضية الفلسطينية على أي نحو معقول يعيد إلى الغرب اعتباره في نظر الدول العربية. وبما أن الاستعمار الغربي هو المسؤول عن غضب حقوق العرب في فلسطين وتمزيق الوطن العربي عموماً فلم يكن التلويح بالخطر الشيوعي مفيداً للغرب ولا مقبولاً لدى العرب.
ونجم عن التجاهل الأمريكي لأصول قضية فلسطين تزايد التقارب العربي – السوفييتي، وبالمقابل توثق التقارب الإسرائيلي الأمريكي الذي تجلى بالدعم الأمريكي للكيان الصهيوني ديبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً بداعي موازنة السلاح الذي اشترته بعض الدول العربية من الكتلة الاشتراكية للدفاع ضد الغزو الصهيوني والإمبريالية الداعمه له.
لم ينقض زمن طويل على مشروع أيزنهاور حتى إنهار في المنطقة في إثر الهبة الشعبية العربية ضد المشاريع الغربية الاستعمارية (مثل حلف بغداد ومشروع أيزنهاور)، وقيام الوحدة بين مصر وسورية في شباط 1958، وانسحاب العراق من حلف بغداد بعد إنهيار النظام الملكي وظفر الثورة في 14/7/1958.
المراجع:
– John C.Campbell: Defense of the Middle East, New York, 1960.
– John C. Campbell: The Middle Eastr in the Muted Cold War, Denver 1964.
– Kessing’s Contemporary Archives.
إيسكرا: رَ:الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية.