ترتبط قضية ادولف ايخمان بالصراع المرير بين الحركة النازية واليهود. وقد اعتقد هتلر أن اليهود كانوا وراء الهزائم التي لحقت بألمانيا في الحرب العالمية الأولى كما اتمهمهم في كتابه المشهور “كفاحي” بأنهم سبب انهيار معنويات شعب ألمانيا. وحين أصبح أدولف هتلر في عام 1933 زعيماً لألمانيا قام بإصدار قوانين تمييزية وإجراءات ضد اليهود. فهاجر الكثيرون منهم إلى فلسطين والولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية (رَ:النازية والصهيونية).
وكان من أبرز الضباط الذين اشتركوا في تنفيذ هذه الإجراءات ادولف ايخمان الذي اتهم بالذات بالإشراف على تعذيب اليهود وإبادتهم في معسكرات الاعتقال.
بعد انهيار القوات الألمانية في أيار 1945 أخذ عدد كبير من ضباط النازية يهربون إلى بلدان أمريكا اللاتينية. وكان ادولف ايخمان واحداً من هؤلاء فسافر في عام 1950 إلى عاصمة الأرجنتين “بيونس أيرس” حيث حصل في عام 1952 على هوية باسمه الجديد “ريكاردو”.
أسهم في عملية اكتشاف شخصية ايخمان في الأرجنتين المدعي العام في ألمانيا الغربية “فريتز بادر” الذي وضع المعلومات التي حصل عليها تحت تصرف المخابرات الإسرائيلية (رَ: الاستخبارات، جهاز – الإسرائيلي). وقد أوفدت (إسرائيل) مجموعة من رجال مخابراتها إلى بيونس أيرس للتحقق من شخصية ايخمان وسوقه إلى (إسرائيل). اختطفه هؤلاء يوم 10/5/1960، ثم نقلوه بعد عشرة أيام مخدراً متخفياً في زي مضيف جوي على متن طائرة إسرائيلية جاءت إلى الأرجنتين تحت ستار نقل وفد إسرائيلي رسمي للاشتراك في احتفال الأرجنتين بالذكرى المائة والخمسين لاستقلالها.
بدأت محاكمة ايخمان في 11/4/1961 في القدس المحتلة حيث وجه إليه المدعي العام الإسرائيلي تهمة المشاركة في قتل اليهود الألمان. وقد حكم عليه بالموت في 15/12/1961 ونفذ فيه حكم الإعدام شنقاً في 31/5/1962 في سجن الرملة، وحرقت جثته وألقي رمادها في البحر خارج المياه الاقليمية. وقد هللت بعض الصحف الألمانية الموالية للصهيونية لإعدام ايخمان. أما الأحزاب الألمانية فأيدت دون تحفظ إعدام ايخمان، ولم يشد عن ذلك سوى الحزب الوطني الألماني الذي رأى في عملية الإعدام جريمة صهيونية ترتكب ضد ضابط ألماني قام حسب العرف العسكري بتنفيذ أوامر صدرت إليه.
كان لعملية ايخمان مضاعفات دولية، فقد اعتبرت الأرجنتين عملية خطفه افتئاتاً إسرائيلياً غير مشروع ولا أخلاقياً على سيادتها الوطنية، وطالبت مجلس الأمن الدولي بتعويض ملائم. عرضت الشكوى الأرجنتينية على المجلس خلال يومين اثنين. وعبر المندوب الإيطالي عن الشعور السائد في مناقشات المجلس فقال إن المسألة كانت تتجلى في التوفيق بين “الأخلاق والقانون”. وقد انتهى الأمر إلى إصدار قرار جاء فيه أن ما قامت به (إسرائيل) إذا تكرر يمكن أن يهدد السلام والأمن الدوليين، وأن على (إسرائيل) أن تعوض الأرجنتين. وقبل اعتذار (إسرائيل) وإعلانها أن من قام بعملية الخطف قد خرق القانون الأرجنتيني كتعويض كاف، وأسدل الستار على الرواية.
المراجع:
– Hillgruber: Staatsmanner und Diplomaten bei Hitler, Hamburg 1966.
– Jacques Derogy: Histoire Secrete D’Israel 1917 – 1977, Paris 1978.