الممرات البحرية هي الفتحات التي تصل بين بحرين. وهي وأما طبيعية وتشمل المضايق، واما صناعية وتشمل القنوات البحرية.
أ- المضايق: المضيق هو جغرافيا مياه تفصل اقليمين، وتصل بين بحرين. ولذا فان المياه لا تعتبر مضيقا بالمعنى الجغرافي إلا اذا توافرت لها الأوصاف التالية:
1) أن تكون جزءا من البحر.
2) ألا تكون قد تكونت بطريقة صناعية.
3) أن تكون محدودة الاتساع.
4) أن تفصل منطقتين من الرض وتصل بين منطقتين من البحر. فلولا المضيق لا نفصلت المنطقتان البحريتان انفصالا كاملا.
وقد عرفت محكمة العدل الدولية المضيق بأنه ممر بين جزءين من الأرض يصل بين جزءين من البحر المفتوح.
لكن هذا التعريف الذي ينطبق على المفهوم الجغرافي للخليج ليس بتعريف شاف. فليس كل مضيق جغرافي خاضعا لأحكام القانون الدولي. ولتحديد المضايق التي يحكمها القانون الدولي علينا أن نتعرف إلى أمرين: أولهما: أي المضايق يدخل في سيادة الدولة الشاطئية ؟ وثانيهما: المعيار الذي نحدد به المضايق التي يسمح فيها بحق المرور البري Innocent Passage.
1) المضايق الداخلية والمضايق الدولية: تنطبق الحجج التي تشبه الخليج بالاقليم الوطني على المضيق لأن أمن الدولة أكثر تعرضا للخطر بالنسبة إلى المضيق. ولذا فان الاتجاه هو إلى جعل مياه المضيق مياها داخلية واغلاقها في وجه مختلف الأغراض عدا الملاحة. وقد نجم عن تشبيه المضيق بالخليج – قانونا – أن توس مهوم المضيق في الآونة الأخيرة.
كان المذهب القديم وصف المضيق تبعا لواقع السيطرة عليه. وقد اعتنق الفقيه جيدل Gadel هذا المذهب وطوره فقصر تعريف المضيق على الفتحة التي لا تتجاوز ضعفي اتساع البحر الاقليمي.
ويكون الممر المائي مضيقا في القانون الدولي اذا توافرت له الأوصاف الجغرافية للمضيق وكان الى جانب ذلك ممرا للمواصلات الدولية غير المتجهة إلى موانىء على شاطىء ذلك المضيق. ولذلك فان تعريف المضيق لا يعتمد من وجهة نظر قانونية على مفهوم جغرافي محض بل يستند أساسا إلى مفهوم وظيفي. ولهذا كان تحديد وضع المضيق دوليا يعتمد على الموازنة بين مصلحة الدولة الشاطئية فيها والمصلحة البحرية للجماعة الدولية في عبوره.
وتجري التفرقة بين نوعين من المضائق: فهناك المضيق الذي يقع في اقليم دولة واحدة، وهذا يعامل، حسب الاتجاه السائد، على أنه مياه داخلية وان زاد عرضه عن ضعفي المياه الإقليمية. وهناك المضيق الذي يقع في اقليم أكثر من دولة، مثل بحر الشمال، وهذا يختلف حكمه. فان كان بين دولتين متقابلتين ولا يزيد اتساعه على ضعفي اتساع المياه الاقليمية (مثل المضيق الكائن بين الدانمارك والسويد) فان كلا الدولتين تمارس سيادتها على الشريط البحري المعادل لمياهها الإقليمية. فاذا تداخلت حدود الدولتين حدد خط الحدود في منتصق المضيق، أو في منتصف المجري الصالح للملاحة، ما لم تقرر المعاهدات الخاصة حكما مغايرا.
2) حق المرور البريء في المضيق: رغم أن مياه المضيق قد تعتبر مياها داخلية فانها تخضع لنظام المرور البريء للسفن الأجنبية. فالمضيق الذي يصل بين بحرين عامين (كمضيق جبل طارق) يجب أن يترك للملاحة الحرة البريئة للدول كافة حتى وان كان شاطئئاه لدولة واحدة وكنت مياهه اقليمية أو داخلية. وهذه نتيجة طبيعية لمبدأ حرية البحار. وقد أخذت به محكمة العدل الدولية في الدعوى المعروفة بدعوى ممر كورفو بين بريطانيا وألمانيا عام 1947.
لكن التعامل الدولي بقي غير مستقر في شأن حكم المرور في مضيق يصل بين بحر عام وبحر اقليمي الى أن أبرمت اتفاقية جنيف (الخاصة بالبحر الاقليمي) لعام 1958. فقد قررت المادة 16 – ف4 منها عدم جواز اغلاق المضيق في وجه المرور البريء للسفن الأجنبية في المضايق التي تستخدم الملاحة البريئة بين جزر من البحر العام وجزء آخر منه أو من بحر اقليمي لدولة أجنبية. ولكن للدولة الشاطئية أن تتخذ كافة احتياطات الأمن التي تراها لازمة، كأن تحدد عدد السفن الحربية التي تمر في وقت واحد، أو مدة بقائها.
وكان هذا النص محل اعتراض من الدول العربية لأنه يكاد لا ينطبق إلا على مضائق تيران (مفتاح خليج العقبة)* ويقصد إلى خدمة المصالح الإسرائيلية باستحداث سابقة في القانون الدولي.
3) الملاحة الإسرائيلية في مضايق تيران وخليج العقبة: تطل على خليج العقبة ثلاث دول عربية هي مصر والأردن والسعودية. كما تطل عليه (إسرائيل) التي لم يكن لها، حتى بعد توقيع الهدنة الثانية عام 1949، أي منفذ عليه. غير أنها قامت بتاريخ 10/3/1949 باحتلال قرية أم الرشرش وأقامت محلها مدينة ايلات* قرب مدينة العقبة الاردنية.
يبلغ اتساع الخليج عند مدخله بين فيق ورأس فرنك خمسة أميال وثلاثة أرباع الميل (9,2 كم). وتقع على المدخ جزيرتا تيران وصنافير السعوديتان. ويبلغ طول الخليج من جنوبه إلى شماله ستة وتسعين ميلا (153,6كم). ولا يتجاوز أقصى اتساع له ستة عشر ميلا ونصفا (26,4كم).
أما مضيق تيران فاتساعه ثلاثة أميال (4,8كم). ويشقه طريقان صالحان للملاحة هما ممر انربرايز وممر جرافون.
يصل طول كل من الشاطىء المصري والسعودي على الخليج إلى مائة ميل (160 كم) ويبلغ طول الساحل الأردني ثلاثة أميال ونصف (5,5 كم) . وقد ازداد بعد اتفاقية الحدود الأردنية – السعودية الموقعة سنة 1965 إلى 16 ميلا (25,6 كم) . والمطل الإسرائيلي ستة أميال (9,6كم).
ولقد ثارت منازعة قانونية حادة بين الدول العربية المطلة على الخليج وبين(إسرائيل) بشأن الوضع القانوني للخليج والمدخل إليه (مضيق تيران) لأن الدول العربية الثلاث، وهي بحكم القانون دول ساحلية، لا تعترف (بإسرائيل) دولة ساحلية رابعة.
وقد تفاقمت حدة حدة النزاع القانوني العربي – الإسرائيلي حول خليج العقبة ومداخله بدءا من عام 1949. فقد وضعت قوات عسكرية بموافقة السعودية في جزيرتي تيران وصنافير. وفي 28/1/1950 أخطرت الحكومة المصرية السفير الأمريكي أنها لا تنوي أن تتدخل في الملاحة السلمية، وأن هذا الممر سيظل جزءا كما كان في الماضي طبقا لما جرى عليه العمل الدولي وما تقضي به قواعد القانون الدولي المعترف بها.
لكن حالة الحرب بين مصر و(إسرائيل) دعت الأولى إلى اغلاق خليج العقبة عند مضيق تيران في وجه الثانية. ويبدو أن مجلس أمن الأمم المتحدة كان في أولى سنوات الهدنة بين مصر و(إسرائيل) يرى أن التصرف المصري غير مشروع. ولكن مصر لم تأخذ بوجهة النظر هذه وقامت بين عامي 1953 و1955 بالقبض على عدة سفن كانت متجهة في خليج العقبة إلى ايلات.
وقد أرادت (إسرائيل) أن تدبر دقة الأمور لصالحها فقدمت شكوى في 28/1/1954 إلى مجلس الأمن ضد مصر. وفي هذه المرة بدأت تثير الجدل حول إمكان إغلاق ممر صغير يصل بين جزءين من البححر العام في وجه الملاحة البحرية الحرة.
ورفضت مصر، ومعها الدول العربية، حجج (إسرائيل). وألحقق مجلس المن هذه المرة في اتخاذ قرار في الموضوع.
ولما وقع العدوان الثلاثي على مصر (رَ: حرب 1956) دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة (إسرائيل) إلى الانسحاب من سيناء وجزيرتي تيران وصنافير اللتين احتلتهما أثناء العدوان. وانضمت للولايات المتحدة إلى تلك الدعوة، ولكنها قرنتها باقرارها أن المياه لحل النزاع أي ميناء خليج العقبة – مياه دولية. وهذا يعني أن مضيق تيران مضيق دولي مفتوح للملاحة دون قيود. وانضمت مجموعة كبيرة من الدول إلى هذا الرأي. وبناء عليه تمركزت بعد انسحاب (إسرائيل) قوات دولية عند شرم الشيخ، أي عند مضيق تيران، المر الذي سمح (لإسرائيل) بعبوره بحرية.
وقد رأت (إسرائيل) في قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر* إغلاق مضيق تيران في في وجه ملاحها في 21/5/1967 اعلان حرب يبرر عدوانها. وعادت مع اندلاع حرب 1967* إلى احتلال شرم الشيخ وجزيرتي تيران وصنافير مسيطرة بذلك على مضيق تيران وخليج العقبة كله.
ومن متابعة المناقشات التي دارت بين المندوبين العرب والمندوب الإسرائيلي، سواء في الجمعية العامة أو في مجلس الأمن أو في مؤتمر جنيف لقانون البحار عام 1958، نلاحظ أن حجة (إسرائيل) الوحيدة لاثبات حقها في استخدام مضيق تيران والابحار في خليج العقبة تقوم على أساس وجودها الفعلي على الخليج، الأمر الذي يجعل مضيق تيران ممرا مائيا دوليا. وقد جاءت المادة 16 – ف4 من اتفاقية البحر الاقليمي لعام 1958 تدعم وجهة النظر الإسرائيلية في نظر عدد من الدول والفقهاء.
أما الحجج العربية المضادة فقد أخذت فقد أخذت مسارات عدة أهمها:
(1) أن خليج العقبة بحر مغلق، أي أنه يتدخل ضمن ما يعرف بالخلجان التاريخية. فقد ظل الممر التاريخي الى الأماكن المقدسة للمسلمين من الدول الإسلامية خلال أربعة عشر قويا كان طواها تحت السيادة العربية. ولم تدع سيادة أخرى خلال ذلك أن الخليج ممر دولي.
(2) أن حقوق العرب في جزيرتي تيران وصنافير تنفي أن يكون مضيق تيران ممراً دولياً.
(3) أن ما بين (إسرائيل) ومصر لا يعدو أن يكون اتفاق هدنة لا اتفاق سلام، ولذا لا يحق (لإسرائيل) أن تطلب من مصر رفع قيودها على الملاحة في المضيق.
(4) أن الوجود الاسرائيلي في ايلات وجود واقعي ولكنه غير شرعي أصلا. وبالتالي (فإسرائيل) ليست، قانونا، دولة ساحلية على خليج العقبة لتطالب بالمرور إليه أو منه عبر مضيق تيران.
والواقع أن الحجة الأخيرة هي أقوى الحجج من الناحية القانونية. فالمعروف منذ نظرية سيتمسون عام 1932 أنه لا يجوز الاعتراف بالأوضاع غير المشروعة لأن ما بني على الباطل باطل. وهذا يعني أن على الدول رفض الاعتراف بزوال السيادة المسلوبة عن الدولة صاحبتها لمصلحة الدولة الغاصبة. وقد تأكدت نظرية سبتسمون هذه أكثر من مرة ففي مشروع جامعة هارفارد (1929) بشأن حقوق وواجات الدول في حالة العدوان نصت الفقرة الثانية من المشروع على أن “الأوضاع التي يخلفها اعتداء بالقوة المسلحة لا ترتب تغييرا في اليادة أو غيرها من الحقوق القانونية على الإقليم”. ونصت المادة الخامسة من تعريف العدوان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاجماع عام 1974 على أنه لا يمكن الاعتراف بمشروعية الحيازة الإقليمية أو الميزة الخاصة الناجمة عن العدوان.
وعلى هذا فإن من حق الدول العربية أن تكسر أي حق (لإسرائيل) مبني على وجود ميناء ايلات على خليج العقبة. كما أن من واجب الدول الاعتراف بسلامة الموقف العربي في هذا المجال وعدم الاعتراف بتصرف (إسرائيل) الذي جاء مخالفا لأحكام الهدنة ومستندا إلى القوة وحدها. وما دام الوجود الإسرائيلي في ايلات غير مشروع فلا يبقى مجال للحديث من حقها في عبور مضق تيران للوصول إلى هذا الميناء.
ولعل (إسرائيل) ذاتها أدركت قوة الحجة في هذه النقطة فرأيناها تحرص في اتفاقات كامب ديفيد* ومعاهدة الصلح المصرية – الإسرائيلية* على تضمينها فقرة تنص على حقها في المرور في مضيق تيران وخليج العقبة لأن هذه النصوص تضمن اعترافا مصريا بشرعية احتلال (إسرائيل) لأم الرشرش (ايلات حاليا) ونقضا للحجج العربية السابقة حول الوضع القانوني خليج العقبة ومدخله.
ب- القنوات: القنوات البحرية مضائق صناعية حفرت لتصل بين بحرين عامين تسهيلا للملاحة والمواصلات الدولية,. ولا نزاع في أن هذه القنوات تدخل في السيادة الإقليمية للدول التي تخترق أرضها كأي جزء من اقليمها. وكل ما تثيره من الناحية الدولية هو مسألة الملاحة فيها.
وتوجد حاليا أربع قنوات بحرية ذات أهمية دولية هي قناة السويس وقناة بنما وقناة كورنتا وقناة كييل. ولكل من القنوات الثلاث الأولى نظام دولي خاص بها.
1) قناة السويس ونظام الملاحة فيها: افتتحت قناة السويس في 17/11/1869. وهي تصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر وتقع بأكملها في الاقليم المصري وتدخل بالتالي في السيادة الاقليمية لجمهورية مصر العربية.
وقد بدأت أعمال حفر هذه القناة في شهر نيسان 1859 بناء على “فرمان” خديوي صدر عام 1854 وأعطي توجيه امتيازها إلى شركة عالمية يرأسها المهندس الفرنسي فرديناند دولييس لمدة 99 عاما. ونص فيه على أن تكون القناة حرة للملاحة الدولية مع حق الشركة المشرفة على الملاحة في فرض رسوم خاصة على المرور بالاتفاق مع الحكومة المصرية.
وقد بدأت أعمال حفر هذه القناة في شهر نيسان 1859 بناء على “فرمان” خديوي صدر عام 1854 وأعطي توجيه امتيازها إلى شركة عالمية يرأسها المهندس الفرنسي فريناند دولييس لمدة 99 عاما. ونص فيه على أن تكون القناة حرة للملاحة الدولية مع حق الشركة المشرفة على الملاحة في فرض رسوم خاصة على المرور بالاتفاق مع الحكومة المصرية. وقد أقرت تركيا ما ورد في الفرمان السابق بفرمان سلطاني آخر صدر في 19/3/1866. ثم أصدرت عام 1873، بالاتفاق مع الدول الأوروبية، تصريحا مشتركا تقرر فيه فتح القناة أيضا للمرور الحر للمراكب الحرية الأجنبية بكافة أنواعها، مع المساواة في المعاملة بين جميع الدول.
ولم يمض وقت طويل على ذلك حتى أثارت الملاحة في القناة بعض المشاكل على أثر احتلال بريطانيا لمصر عام 1882 وما تبعه من استعمالها للقناة وفتحاتها في شؤونها العسكرية واستباحها مرور أساطيلها ذهابا وايابا دون دفع الرسوم المقررة. فأدى ذلك إلى احتجاج دولييس لدى الدول ومطالبته بوضع نظام دولي بوضع دولي لحماية القناة. وقد تم في 29/10/1888 وضع هذا النظام في اتفاقية القسطنطينية التي أبرمتها كل من تركيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والنمسا واسبانيا وايطاليا وروسيا وهولندا.
تعد اتفاقية القسطنطينية دستورا للملاحة في قناة السويس حتى وقتنا الحالي، وتتلخص أحكامها بما يلي:
(1) تفتح القناة لمرور المراكب التجارية والحربية لجميع الدول وقت السلم وقت الحرب، وتتعهد الدول المتعاقدة بألا تقوم بأي عمل من شأنه عرقلة الملاحة في القناة ( المادة الأولى).
(2) لأجل ضمان سلامة الملاحة في القناة وقت الحرب يراعى منع الدول المحاربة من القيام بأي أعمال عدائية في القناة أو ضدها، أو اتيان أي عمل من شأنه عرقلة الملاحة فيها أو في احدى فتحيها حتى مسافة ثلاثة أميال بحرية، كما تمنع الدول المحاربة من أخذ أو انزال أي ذخائر أو معدات حربية أو جنود في القناة أو في أحد موانئها أو فيها الا في حالة الضرورة الملحة فيجوز لها أن تأخذ أو تنزل في مبادى القناة جنودا مقسمين الى فوق لا يزيد عدد كل منها عن ألف جندي بما يلزمها من المعدات الحربية.وتمر السفن الحربية للدول المحاربة في القناة في أقصر وقت ممكن، دون أن تمكث في ميناءي بورسعيد أو السويس أكثر من 24 ساعة إلا في حالة الضرورة القصوى، على أن تغادر الميناء فور زوال هذه الضرورة. ويجب كذلك أن تنقضي 24 ساعة بين خروج مركب لدولة محاربة ومركب حربي اخر كدولة معادية لها (المادتان 4و5).
(3) لجميع الدول حقوق متساوية فيما يتعلق بالمرور في القناة. ولا يجوز أن يميز في المعادلة بين دولة وأخرى. كما لا يجوز لأي من الدول المتعاقدة أن تسعى إلى الحصول على أي مزايا اقليمية أو امتيازات أخرى تتعلق بالقناة (المادتان 1 و12).
(4) لا تمس القواعد السابقة ما للسلطان أو الخديوي من السيادة على الإقليم الذي تمر فيه القناة. كما أنها لا تمس حق كل منهما في اتخاذ الوسائل اللازمة للمحافظة على الأمن العام أو للدفاع عن مصر أو تركيا، بما في ذلك شرق البحر الحمر، على ألا تؤدي هذه الوسائل إلى عرقلة الملاحة في القناة (المادتان 10 و11). وعلى الحكومة المصرية أن تتخذ في حدود السلطات المحلولة لها ما يلزم لتنفيذ الاتفاقية. فان لم تكن لديها الوسائل أو القوات الكافية لذلك استعانت بالحكومة التركية التي لها أن تتدخل بعد إخطار الدول المتعاقدة (المادة 9).
(5) يتولى مبعوثو الدول الموقعة على الاتفاقية في مصر مراقبة تنفيذها أو اخطار الحكومة المصرية بأي مخالفة تهدد الملاحة في القناة لتتخذ ما يلزم ازاءها. وإلى جانب ذلك يجتمع هؤلاء المبعوثون مرة سنويا برئاسة مندوب من السلطان أو الخديوي للتثبت من تنفيذ الاتفاقية على وجه صحيح (المادة 8).
تبع اعلان الحماية البريطانية على مصر انتزاعها نهائيا من السيادة التركية عام 1914 أن تولت بريطانيا كل ما كان لتركيا من حقوق على قناة السويس وفقا لاتفاقية القسطنطينية. ثم حصلت بعد ذلك بمعاهدة فرساي على اعتراف من ألمانيا بانتقال هذه الحقوق إليها. كما حصلت بموجب معاهدة لوزان على تنازل من تركيا عن جميع حقوقها في مصر والسودان بدءا من 5/11/1914.
ولم يغير اعلان استقلال مصر بموجب تصريح 28/2/1922 من موقف بريطانيا من قناة السويس لأنها، وقد احتفظت لنفسها بحق حماية المواصلات الامبراطورية مع ممتلكاتها في الشرق وحماية المصالح الأجنبية، ظلت تتولى الاشراف على القناة وتمارس الحقوق التي تنازلت تركيا عنها في معاهدة لوزان. ولم يتغير كذلك الموقف بابرام المعاهدة المصرية –الانكليزية عام 1936 بل تأيد مركز بريطانيا في القناة بحصولها من مصر على ترخيص بأن تضع بجوار القناة قوات بريطانية قوامها وقت السلم عشرة آلاف جندي وتتعاون مع القوات المصرية في الدفاع عنها لن الجيش المصري لا يستطيع أن يكفل بمفرده حرية الملاحة في القناة وحمايتها، وذلك إلى أن يحين الوقت الذي يصبح فيه هذا الجيش قادراً على القيام وحده بهذه المهمة.
وواضح أن تصرفات بريطانيا المتقدمة تتنافى مع اتفاقية القسطنطينية وما نصت عليه صراحة المادة 22 من أنه “تطبيقا لمبدأ المساواة في الانتفاع الحر بالقناة تتعهد الدول المتعاقدة بألا تسعى إلى الحصول لنفسها على مزايا اقليمية أو على أية امتيازات أخرى تقرر في التسويات الدولية التي تجري فيما بعد”. وقد فعلت بريطانيا أكثر من هذا حين أساءت استخدام سلطانها في حماية حرية الملاحة في قناة السويس ففتحت القناة للسفن الحربية الايطالية أثناء عدوان ايطاليا على الحبثة.وفي الحرب العالمية الثانية تولت بريطانيا منذ عام 1940 الاشراف الكامل على قناة السويس وادارتها فأغلقتها في وجه السفن والجنود الايطاليين خلافا لنص المادة الولى من اتفاقية القسطنطينية.
وفي عام 1954 أبرم بين مصر وبريطانيا اتفاق بشأن قاعدة قناة السويس يحل محل معاهدة عام 1926. وتنص المادة الثالثة من هذا الاتفاق على أن قناة السويس التي هي جزء لا يتجزأ من مصر ممر مائي ذو أهمية دولية من النواحي الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية. وأعرب الطرفان عن تصميمهما على دعم اتفاقية القسطنطينية التي تضمن حرية الملاحة في القناة.
2) الملاحة الإسرائيلية في قناة السويس: شكل موضوع الملاحة الإسرائيلية في قناة السويس مشكلة سياسية وقانونية كبرى. فقد وجدت مصر نفسها مضطرة في ضوء حالة الحرب القائمة بينها وبين (إسرائيل) إلى ممارسة سيادتها والحيلولة دون مرور السفن الإسرائيلية في القناة على أساس أنها سفن دولة محاربة للدولة التي تعد القناة جزءا لا يتجزأ من اقليمها. كما أنها، أي (إسرائيل)، ليست طرفا في اتفاقية القسطنطينية. ومارست السلطات المصرية حق الزيارة والتفتيش والقبض على السفن التي تمر في قناة السويس من الموانىء الإسرائيلية وإليها. وقد أيدت محكمة الغنائم المصرية مشروعية هذا التصرف. وأما (إسرائيل) وأصدقاؤه فقد نازعوا مصر في ممارستها المشروعة وشنوا عليها حملة دبلوماسية واسعة خارج الأمم المتحدة وداخلها.
وبتاريخ 12/6/1951 أصدر كبير مراقبي الهدنة في فلسطين نداء إلى الحكومة المصرية طلب فيه منها أن “تكف عن ممارستها الحالية بالتعرض لمرور البضائع المتوجهة إلى إسرائيل عبر قناة السويس”. ولكن مصر رفضت الامتثال لهذا النداء فعرض الأمر على مجلس الأمن الدولي الذي أصدر بتاريخ 1/9/1951 قراره رقم 95 (1951) بدعوة مصر إلى انهاء القيود على البضائع التجارية عبر قناة السويس. وقد نصت الفقرة التنفيذية من هذا القرار على ما يلي: “يدعو(مجلس الأمن) مصر إلى انهاء القيود على مرور السفن التجارية الدولية والبضائع عبر قناة السويس مهما كانت وجهتها، وإلى وقف كل تدخل في الملاحة عدا ما هو ضروري لسلامة الملاحة في القناة نفسها، وإلى مراعاة المعاهدات الدولية المعمول بها”. وعلى الرغم من هذا استمرت مصر في ممارساتها المشروعة. وفسر الفقه العربي قرار مجلس الأمن سالف الذكر على أنه توصيةRecommendation غير ملزمة، وأن المجلس أصدره اعمالا للفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة لا اعمالا للفصل السابع الذي يمكن للمجلس بموجبه اصدار قرارات ملزمة. وبالإضافة إلى ذلك وجد هذا الفقه بحق أن الاجراءات التي تتخذها مصر في قناة السويس تدخل في نطاق حق الدفاع المشروع عن اقليمها تطبيقا لحكم المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والمادة العاشرة من اتفاقية القسطنطينية ذاتها.
وقد أثير موضوع حرية الملاحة في قناة السويس من جانب (إسرائيل) أمام مجلس الأمن من جديد عام 1954. ولكن المجلس لم يتخذ أي قرار هذه المرة بسبب ممارسة الاتحاد السوفييتي لحق النقض (الفيتو).
وعاد الموضوع يطرح نفسه بحدة عندما أعلنت مصر في 26/7/1956 تأميم شركة قناة السويس (القانون رقم 285). فقد أقامت (إسرائيل) وحلفاؤها على مصر بحجة أن هذا التأميم يعني شل الملاحة في القناة. وقد برر الفرنسيون بالعدوان والبريطانيين تواطؤهم في العدوان الثلاثي الذي تم على مصر في تشرين الأول 1956 (رَ: حرب 1956) بحماية قناة السويس والملاحة فيها. وهي ذريعة رفضها المجتمع الدولي حماية وتفصيلا. وقد ردت مصر على العدوان الثلاثي باجراءات قانونية منها القرار الجمهوري الذي صدر في 1/1/1957 بالغاء معاهدة عام 1954 مع بريطانيا بأثر رجعي.
وفي 24/4/1957 أصدرت مصر تصريحا أعلنت فيه أن سياسة مصر – طبقا لمعاهدة القسطنطينية وميثاق الأمم المتحدة – ثابتة على احترام أحكام اتفاقية القسطنطينية وروحها والالتزامات الناجمة عنها، وأنها ستعمل على تنفيذ هذه الالتزامات ومراعاتها فتضمن لكافة الدول ملاحة حرة مستمرة في نطاق ما تقضي به اتفاقية القسطنطينية.كما تعهدت بأن تبقي رسوم القناة كما هي. وقبلت الرجوع إلى محكمة العدل الدولية بشأن أي نزاع يثور بينها وبين الدول الموقعة على اتفاقية القسطنطينية حول أحكام الاتفاقية المذكورة.
ولم تقم أي من تلك الدول بالادعاء على مصر أمام المحكمة، الأمر الذي يعني أن ممارسات مصر كانت قانونية في ضوء التزامها بالاتفاقية الدولية.
وعقب عدوان حزيران عام 1967(رَ: حرب 1967) صدر قرار مجلس الأمن رقم 242 المؤرخ في 22/11/1967. وقد نصت مادة الثانية على ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية في المنطقة، أي قناة السويس ومضيق تيران. ولكن مصر لم تطبق هذه المادة لسببين أحدهما قانوني، وهو أن القرار يشكل حلا متكاملا لم تطبق (إسرائيل) ما يخصها منه، وثانيهما عملي، وهو أن قناة السويس معطلة منذ 5 حزيران بسبب العدوان الإسرائيلي. وأما مضيق تيران فالقوات الإسرائيلية المحتلة تهيمن عليه واقعيا.
وقد ظل الوضع القانوني للملاحة في قناة السويس وحقوق مصر في السيادة عليها على حاله، كما قدمنا، إلى أن وقعت مصر اتفاقية سيناء الثانية مع (إسرائيل) عام 1975. وتعهدت الحكومة المصرية بموجب البند السابع منها بالسماح “للشحنات غير العسكرية المرسلة إلى إسرائيل أو الصادرة منها بحق المرور عن طريق قناة السويس”. وقد تم ذلك فعلا بعد اعادة فتح القناة عام 1977.
ومضت الحكومة المصرية في اتفاقات كامب ديفيد خطوة أبعد حين وافقت صراحة في “الاتفاق الخاص باطار معاهدة الصلح بين مصر وإسرائيل” على السماح للسفن الإسرائيلية (بغض النظر عن نوعها وما اذا كانت تجارية أو عسكرية) بالعبور الحر في قناة السويس وفق اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 (ف – د). وتأييد هذا بمعاهدة الصلح المصرية – الإسرائيلية الموقعة في 26/3/1979 (المادة الخامسة).
والواقع أنه اذا كانت مصر تملك من الناحية القانونية المجردة حق ممارسة سيادتها بما تراه فيما يتعلق بقناة السويس، لأن هذه القناة تقع بأكملها في أراضيها، فان التزاماتها جديدة تجاه (إسرائيل) بالنسبة إلى مضيق تيران وخليج العقبة يشوبها البطلان لأن خليج العقبة ليس خليجا داخليا تتصرف فيه مصر على هواها. فهو- كما أشرنا من قبل – مشترك بين مصر والأردن والسعودية ولا تملك دولة واحدة أن تحدد طبيعته القانونية. كما أن سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير، وهما المتحكمتان بمضيق تيران، سيادة واقعية فحسب. وأما السبيادة القانونية فما زالت للسعودية، وهي ليست طرفا في اتفاقات كامب ديفيد ولا في معاهدة الصلح المصرية – الإسرائيلية. والمعروف في القانون الدولي للمعاهدات أن المعاهدة لا أثر لها كقاعدة عامة على غير أطرافها.
المراجع:
- علي صادق أبو هيف: القانون الدولي العام، الاسكندرية 1971.
- محمد طلعة الغنيمي: الأحكام العامة في قانون الأمم (قانون السلام)، الاسكندرية 1970.
- عمر غباشة: تيران والعقبة، القاهرة 1959.
- محمد حافظ غانم: المشكلة الفلسطينية على ضوء أحكام القانون الدولي، القاهرة 1965.
- عبد الله رشوان: المركز الدولي لقناة السويس ونظائرها، القاهرة 1950.
- مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين، ج1، ق2، بيروت 1966.
- أدمون رباط: البحر الأحمر وخليج العقبة وتطور القانون الدولي (بالفرنسبة)، بيروت 1960.
- صلاح الدباغ: السيادة العربية على خليج العقبة ومضيق تيران، دراسة قانونية، بيروت 1967.
- Roel R.: International Straits London and Copenhagen 1947.
- Colombus C.J: International Law of the Sea. New York 1967.
مملكة: رَ: عكا ( المملكة الصليبية الساحلية في -)
رَ: القدس (مملكة – اللاتينية)
المملكة العربية المتحدة: رَ: الحسين (مشروع – 1972)
