Categories: ض

الضرائب

أ- في العهود الإسلامية الأولى: حين فتح العرب المسلمون بلاد الشام، وفلسطين من بينها. انتهى عهد، بالنسبة إلى النظام المالي في هذه البلاد، وبدأ عهد جديد. فبعد أن كان الحكم البيزنطي بفرض ضرائب كثيرة ومتنوعة على سكان هذه البلاد (كضريبة الأرض وضرائب القنوات وضرائب الغلال وضريبة الرؤوس والضرائب التجارية وضرائب الحرف والمنازل والمواشي. إلخ) جاء الإسلام فألغى هذه الضرائب، ولم يبق سوى الجزية والخراج، الضريبتين الرئيستين، وبعض الضرائب الأخرى كالزكاة والمكوس والعشور والصدقات وهي من الموارد الثانوية لبيت المال.

وحين دون عمر بن الخطاب* الدواوين أوجد “ديوان الخراج” أو “ديوان بيت المال” الذي أقرته للأمور المالية. وهكذا منذ أيام عمر كان لجند فلسطين ديوان خراج خاص به. وكان لهذا الديوان مسؤول يسمى “صاحب الخراج” يتبع الخليفة مباشرة، ويقيم في قصبة الجند إلى جانب الوالي مباشرة. وقد ولي ديوان الخراج رجالات من أهل البلاد، أو من القبائل التي هاجرت إليها، من بينهم سليمان المشجعي من قضاعة* وعن معاوية بن أبي سفيان*، والطريق بين النكافي في عهد سليمان بن عبد الملك*، وعبد الله ابن عوف في خلافة عمر بن عبد العزيز، وابن ابي جمعة الكاتب في عهد إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك.

وفي جند فلسطين، كما في الولايات الإسلامية المختلفة في صدر الإسلام، وزمن خلافة بني أمية وما تلاها من عهود، كانت الزكاة والجزية والخراج والعشور أهم موارد بيت المال. ولم تكن الزكاة في بداية هذه الفترة أحد الموارد الرئيسة لبيت المال، ولكن مقدارها ازداد بازدياد هجرة القبائل إليها واستيطانهم فيها. وكان للزكاة والصدقات عامل خاص يلي أمرها، ولها سجلات خاصة بوارداتها ونفقاتها.

أما الجزية فكان أهل الذمة، من نصارى ويهود وسامرة يؤديها كل سنة (رَ: السامريون). واختلف الجزية باختلاف أموال أهلها يسراً أو عسراً، لذا كانت على من في فلسطين مثلاً أيام يزيد ابن معاوية خمسة دنانير عن كل مكلف في حين كانت دينارين عمن في الأردن. ويبدو أنها كانت على السامرة أقل من غيرهم، لأنهم ساعدوا في الفتوحات، وكانوا أدلاء وعيوناً للمسلمين.

والضريبة الثالثة، هي الخراج، وضعت على الأرض المزروعة التي ملكها المسلمون بالصلح، أو بدون حرب لهرب أهلها منها أو الأرض التي ملكوها عنوة وتركوها في أيدي أهلها على خراج يؤدونه لبيت مال المسلمين، كأنه أجرة للأرض. ويؤخذ الخراج ممن يستغل الأرض، مسلماً كان أو ذمياً. وكان الخراج إما شيئاً مقدراً من مال أو غلة، وإما حصة شائعة مما يخرج من الأرض.

وقد اعتبرت أرض الشام كلها أرض عنوة، وأشار عمر بن الخطاب على أبي عبيدة، أن يقر الأرض في أيدي أهلها وأن يأخذ منهم الخراج لأنهم أعرف بعمرانها.

ولم يكن في الشام من أرض الصلح، إلا بعض المدن، وكانت تدفع الخراج بحسب الشروط التي صولحت عليها، كما في صلح بيت المقدس (رَ: إيلياء، عهد).

أما أرض العشر، فهي الأرض التي ملكها المسلمون، فهم يدفعون ضريبة العشر. ومن هذه الأراضي في فلسطين أراض السلم عليها أهلها قبل الفتح، أو من غير قتال. وكان أغلب هذا النوع من الأرض في الجزء الجنوبي من فلسطين الذي قبل أهله دعوة الإسلام قبل عصر الفتوح، هذا فضلاً عن الأرض التي امتلكها العرب عن طريق الشراء، والأراضي الموات التي أحياها المسلمون وتملكوها وأراضي الصوافي والإقطاع مما لا مجال للتفصيل فيه.

وكان مقدار الخراج يحسب، كما أشار عمر بن الخطاب، على أساس مساحة الأرض. وقد أقر الفقهاء فعل عمر هذا، وجعلوه أصلاً تقاس عليه نظائره.

وبالرغم من الافتقار إلى إحصاءات دقيقة عن خراج أجناد ومقاطعات الدولة الإسلامية في مختلف العهود، يمكن القول إن خراج فلسطين زمن عبد الملك بن مروان بلغ ما يقارب 350 ألف دينار في السنة، وجعله قدامة بن جعفر قرابة 260 ألف دينار في العام في أواخر القرن الثالث الهجري. واستمر متوسط ما يجبى من خراج فلسطين على هذا القدر حتى أخريات العصر العباسي*.

كان ما يتحصل من أموال الخراج في جند فلسطين يصرف على أعطيات المقاتلة، وأوراق الذرية، وعلى الموظفين والعاملين في مصالح الدولة من غير العاملين على الصدقات، وعلى مصالح الجند المختلفة ومرافقة العامة، وما تبقى يرفع إلى الديوان العام في العاصمة.

ومن الضرائب التي كانت تحيى في جند فلسطين، كبقية الأجناد، ضريبة العشور، أو العشر التي تفرض على التجارة التي تقدم على ديار المسلمين. وكان عمر بن الخطاب أول من فرضها، واستمر فرضها على السفن التي تمر ببعض الثغور، وتعادل اليوم الضرائب الجمركية. وكان التجار من أهل الذمة المعاهدين يدفعون نصف العشر (درهم لكل عشرين درهماً) في حين يدفع التجار المسلمين من أموال العشور حكم الصدقة، أما ما يتحصل من التجار المسلمون ربع العشر. وكان حكم ما يتحصل من غيرهم فمحكمه حكم الخراج والجزية. ويقوم باستيفاء هذه الضريبة موظف يدعى “العاشر” أو “صاحب المكس” ويقيم في الغالب عند الحدود، وعلى طرق التجارة، أو في الثغور. وكان في رفح* من جند فلسطين بيت للمكس يذكره المؤرخون، ولهم حوله حديث زمن عمر بن عبد العزيز.

هذه هي أهم الموارد المالية التي كانت تجبى من فلسطين في العصر الإسلامي الأول وما تلاه من عصور.

ب- الضرائب في العهدين الأيوبي والمملوكي: ظلت هذه الضرائب الكبرى قائمة بالطبع في هذين العهدين، وإن اختلفت تفصيلاتها الجزئية باخنلاف الظروف، وباختلاف الحكم.

وقد تفاوت الخراج، أو ضريبة عوائد الأرض، من مكان إلى آخر وفقاً لخصب التربة، ونوع المحصول، وزيادته أو نقصانه، وكان الخراج يجبى عينا من بعض أراضي فلسطين ويجيى من بعضها الآخر نقداً. وقد اهتم الأيوبيون والمماليك* بالخراج، وعني سلاطينهم بالزراعة* لتنمية موارد الدولة.

كذلك اهتم الأيوبيون بجمع الزكاة، وجعلوا لها ديوناً يقوم عليه “متولي الزكاة”. وفي عهد المماليك أصبح مؤدو الزكاة يوزعونها بأنفسهم، ولم يبق مما يحيي على صورة زكاة إلا ما يؤخذ من التجار على ما يدخلون به من أموال بنسبة 2% – 2.5%. وكانت قطية، وهي من مراكز البريد* بين فلسطين ومصر، تؤخذ فيها المرتبات السلطانية من التجار القادمين والمسافرين.

أما الجوالي، وهي الجزية التي كانت تؤخذ من النصارى واليهود من أهل الذمة. فكانت كالماضي تختلف باختلاف أحوالهم المالية. وقد نقصت في عهد المماليك عما كانت عليه في عهد الأيوبيين، وغدت تراوح بين عشرة دراهم وخمسة وعشرين درهماً.

وجبيت ضريبة المكس من التجار غير المسلمين تساوي عادة خمس قيمة البضائع المستوردة. وقد تخفض أحياناً إلى 35% من قيمة بضائع تجار الفرنج. وكانت عكا* أعظم موانىء فلسطين، وقاعدة التجارة، ومركز القناصل ومكان الجباية. وقد كان حجاج النصارى القادمون إلى فلسطين يدفعون ضرائب ورسوماً للسلطات الحاكمة.

ومن الضرائب في هذين العهدين ضريبة دار الضرب، وتؤخذ من أصحاب الأموال لقاء سك أموالهم من الذهب أو الفضة. وبلغ مقدارها ثلاثة وثلاثين ديناراً عن كل ألف دينار. أما رسوم ضرب الفضة فكانت تبلغ أربعة عشر درهماً ونصفاً عن كل ألف درهم.

وكانت هناك ضرائب أخرى تجبى من أرباب الحرف والصناعات والحوانيت والحمامات. وقد أبطل صلاح الدين الأيوبي* الضرائب غير الشرعية التي كانت تجبى من الناس في المناطق التي خضعت لحكمه. وحين ولي ابنه السلطان عماد الدين (589هـ/ 1193م) أعادها، وزاد في قيمتها. ولم تكن المكوس ثابتة على حال واحدة في عهد المماليك، فربما يشتط أحد سلاطينهم في جمعها، ثم يعقبه سلطان آخر تغلب عليه روح التخفيف عن الرغية فيلغى بعضها، أو معظمها. ومن أمثلة تلك المكوس الضرائب المفروضة على الغلات والاتجار فيها، ورسوم الولاية التي يجمعها من عرفاء الأسواق.

ج- الضرائب في العهد العثماني: أسرف السلاطين والولاة العثمانيون في فرض الضرائب والرسوم قبل عصر التنظيمات. وكان السبب في فرضها مسؤولية الوالي عن النظام في الولاية وعن الانفاق على الجنود والموظفين العاملين برفقتها. لذلك كان يجبي ضرائب مبتدعة وغير رسمية لتأمين نفقاته الخاصة، ونفقات الولاية العامة. كانت هناك علاوة على الضرائب الرسمية كالأعشار والجزية ورسوم المواشي والجمارك، ضرائب أخرى لا تدخل خزينة الدولة، وإنما تذهب إلى خزائن الولاة وكبار الموظفين. ففرضوا ضرائب خاصة على شجرة الزيتون في القدس* وصفد* ونابلس* تقسم مناصفة بين صاحب الإقطاع والفلاح.

كما فرضت رسوم على الحاصلات التي تنقل من الحقول إلى المدن، ورسوم أخرى على المحلات التجارية والأماكن العامة في المدن. ومن هذه الرسوم، رسوم “فتوح بندر” التي يدفعها من يرغب في فتح دكان أو محل تجاري، وتحدد بعد المساومة، ورسم “مباشرة حمام” ويدفع عند فتح أو استئجار حمام، وضريبة العزوبة وتستوفى من غير المتزوجين، وضريبة الزواج وتستوفى حين الزواج، و”قدوم غلمانية” وتؤخذ عند الولاة، و”عيدية” وتؤخذ كل عيد، و”رسم قدوم” ويجري تحصيله عند قدوم الوالي و”رسم خلعت” وهو هدية للوالي.

هذا بالإضافة إلى بعض البدع الأخرى، مثل بدعة القهوة. وبدعة أزمير وهي ضريبة على الشمع والقطن الخام، وضريبة المرور على البضائع التي تنقل من مكان إلى آخر، وغير ذلك من الرسوم مثل “قدوم حصادة” وتؤخذ وقت الحصاد في لواء صفد. ولكن صدرت تنظيمات عام 1839م رفعت جميع هذه الرسوم، وأصبح لا يحق للولاة فرض الضرائب على السكان.

واهتمت الدولة العثمانية في عهد التنظيمات (1839 – 1914) بتنظيم ماليتها وأولت ذلك عنايتها واهتمامها. وكانت “دفتردارية الدولة” قد تحولت في عام 1828 إلى “نظارة المالية” وأصدرت الدولة مجموعة من الأنظمة والقوانين لتنظيم الضرائب وجبايتها. وكيفية إدارة الأمور المالية في قرى الدولة وأقضيتها وألويتها وولاياتها. واعتبر النظام كل من يحصل، أو بأمر بالتحصيل، أو بصرف، أو بأمر بالصرف، مسؤولاً عن ذلك المال. وحتم النظام على محصل المال أو صارفه إعطاء، أو أخذ سند بذلك.

وعينت الدولة في كل لواء محاسباً، وفي كل قضاء مديراً للمال. وإلى جانب كل منهما أميناً للصندوق لقبض الأموال الأميرية. واعتبر النظام المسؤول الإداري (القائمقام أو المتصرف أو الوالي)، والمسؤول المالي (المحاسب أو مدير المال)، والمجلس الإداري (في الولاية أو اللواء أو القضاء) مسؤولين عن المخالفات المالية.

وفي مراكز الألوية في فلسطين هنص النظام على مسؤولية المتصرف والمحاسب في المحافظة على الاموال الأميرية، كما عهد إليهما الإشراف على تحصيل أموال الدولة وصرفها وحفظها وإرسالها إلى القدس أو بيروت، حسب تبعية الألوية الإدارية، لتقوم بدورها بإرسالها إلى العاصمة. واشترك المحاسب مع المتصرف في إبداء الرأي عند إجراء التشكيلات الإدارية، لأنهما لا ينفردان في صرف أموال الدولة، فلا بد من اتفاقهما في المعاملات المالية.

ونظمت الدولة العثمانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الضرائب المالية، فأصبحت ضرائب الاعتبار و”الوبركو” والبدل العسكري ورسم الأغنام من الإيرادات الرئيسة في متصرفية القدس وفي القسم الجنوبي من ولاية بيروت كما هي الحال في سائر الولايات الأخرى، بالإضافة إلى إيرادات ثانوية، مثل رسوم المسقفات (الطابو) والمحاكم وبعض الرسوم المتنوعة والحاصلات المتفرقة. ويمكن إجمالها على النحو التالي:

1) الأعشار: يستوفى رسم العشر من الحاصلات الزراعية بنسبة 10%. وبين النظام  لزوم إجراء مزايدات الأعشار بصورة علنية. ويتم تلزيم أعشار الزيتون لمدة سنتين، أما الأعشار الأخرى فلمدة سنة، وعند الضرورة تلتزم سنتين. أما القرى التي تم يتقدم لها أحد من الملتزمين فتدار أعشارها بصورة “الأمانة” بإشراف متصرفي الألوية وقائمقامي الأقضية، مع إعفاء الحطب والفحم والخضر* من رسم العشر.

وعلى الرغم من أن الاعشار كانت تعني أن يدفع الفلاح 10% من محصوله للملتزم أو الدولة عيناً أو نقداً، فإنه في الواقع كان يدفع أكثر من ذلك، لأن الدولة زادت ضريبة العشر حتى أوصلتها إلى 12% من أجل تنفيذ مشاريعها الإصلاحية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر.

2) الويركو: وهي كلمة تركية تعني الجزية أو الخراج أو المال الميري أو الرسم. وقد فرضت هذه الضريبة بموجب “خط كلخانه 1839”. وتقسم إلى ويركو الأملاك ـ وويركو التمتع. وتشمل الضريبة الخاصة بالويركو ضرائب أخرى مثل ضريبة المقطوعة، والضريبة النسبية، والضريبة المتحولة.

3) ضريبة البدل العسكري: استوفى هذا البدل من غير المسلمين باسم الإعانة العسكرية. وراعت الدولة تحصيل هذه الضريبة من أصحاب التجارة أولاً، ثم من أصحاب الزراعة في الأوقات المناسبة لهم.

4) ضريبة المسقفات: وقد بدأت الدولة بجباية الضريبة منذ عام 1858، بعد تحرير المسقفات في المدن والقصبات والقرى. وفي عام 1910 أصدرت قانوناً يقضي بتحرير جميع المسقفات، وتحديد إيراد غير صاف لها، واستيفاء 12% من ذلك الإيراد لجميع المسقفات، 9% للطواحين والمعامل.

5) ضريبة المعارف: وكانت تجبي بنسبة 5% من قسم المسقفات، وتضاف إلى ضريبة الويركو، وتجبى معها. وفي عام 1869 أنشأت الدولة صندوق المعارف للإنفاق على إنشاء المدارس الرشدية والإعدادية وإصلاحها. ودفع رواتب المعلمين. وفي سنة 1885 زادت الدولة العشر بنسبة نصف في المئة حصة المعارف.

6) ضريبة العمال المكلفين: وفق نظام الطرق والمعابر في سنة 1869 كلفت الذكور (من 16-60 سنة) في المدن والقرى، مع حيوانات النقل والعربات التي فيها، العمل بمعدل أربعة أيام في السنة. ومنع النظام تعبيد الطرق في مواسم الزراعة، واشتراك الذين تبعد مناطق سكنهم أكثر من 12 ساعة سيراً على الأقدام. وبلغت قيمة البدل النقدي 16 قرشاً في السنة. وفي نهاية العهد العثماني تراوحت قيمة البدل بين 20 و30 قرشاً في السنة.

7) رسوم المواشي: استوفت الدولة رسوم المواشي في عام 1839 بنسبة 10% من إنتاجها. فاستوفت رسماً قدره أربعة قروش عن كل رأس غنم أو معز، وعشرة قروش عن كل رأس إبل أو جاموس. ومنح نهاية العهد العثماني تضاعفت هذه الرسوم، ووجدت الدولة صعوبة في تحصيلها.

8) الرسوم والجمارك: صدر نظام إيرادات الرسوم في عام 1862. وعند النظام الرسوم التي تؤخذ عن القهوة والأعشاب وصيد السمك وبيع الحيوانات، واحتكرت الدولة الدخان والملح. وفرضت رسما على الدخان الأجنبي المستورد يعادل 75% من قيمته الأصلية، ومنعت استيراد الملح الأجنبي، وأصبحت الدولة هي المنتج والبائع الوحيد للملح في جميع الولايات. وعملت على زيادة حصتها من الرسوم المفروضة على الواردات من 3% إلى 8%، وفي نهاية العهد العثماني بلغت 11%.

9) رسوم متفرقة: إضافة إلى الضرائب السابقة الدولة رسوماً أخرى مثل رسم صناعة الحرير والقطن، ورسوم دلالة العطارين، ورسوم المحاكم، وإصدار حيوانات السفر، ومستندات الصرف، والمسقفات (الطابو)، والانتقال، والرخص. وفي عام 1906 أصدرت الدولة قانوناً فرضت بموجبه رسوماً على تأسيس المحلات الصناعية والكفالات المالية وغيرها.

د- الضرائب في فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني: بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين ثبتت الإدارة العسكرية جميع الضرائب التي كانت مفروضة في العهد العثماني. ونص اعلان نائب الحاكم العسكري في 27/2/1918 على أن “جميع التكاليف والرسوم التي كانت تجبيها الحكومة التركية قبل دخولها الحرب يصير مراعاتها وتحصيلها، وأن جميع المتأخرات من سنة 1933هـ التركية المالية يصير تحصيلها أيضاً حسبما كان جارياً قبل الحرب”.

وقد تذمر الأهالي من هذا الموضوع لأن البلاد كانت تعاني أزمة اقتصادية بسبب الحرب. فأصدرت الإدارة إعلانات أخرى أكدت إصرارها على تحصيل الضرائب السابقة، وهددت المتأخرين باتخاذ الإجراءات التي تكفل للإدارة إجبارهم على الدفع. لكن الأهالي بالرغم من ذلك، لم يقبلوا على الدفع بصورة جماعية.

ويمكن القول إن الإدارة العسكرية أحدثت تغييرين هامين في النظام الضريبي.

1) تضييق الصلاحيات التي كانت للوكالة المحلية لإدارة “صندوق الدين العثماني”، وتولي الإدارة العسكرية نفسها جباية الأعشار وإعطاء رخص حمل السلاح وصيد الطيور وضبط رسوم المكس، وبالنتيجة حصرت أعمال الوكالة في أمور صغيرة كإدارة احتكار الملح وبأمور أخرى.

2) إبطال نظام جباية الأعشار عن طريق ملتزمين، وتعيين لجان تخمين أوكلت إليها تخمين حصة الإدارة العسكرية من غلة القرية عينا. ثم أصبحت الأعشار تجبي نقداً، وكان الحاكم العسكري يحدد سعر استبدال النقد بالعين سنوياً. وصار موظفو الإدارة هم الذين يجبون هذه الضريبة.

أما بالنسبة إلى المستعمرات الصهيونية، فقد عيت الإدارة العسكرية لجنة لتقدير الأعشار. تتألف من أربعة أشخاص خيرين ينوبون عن أكبر المستعمرات، وهو امتياز لم يكن لهذه المستعمرات من قبل.

وبعد إنشاء الإدارة المدنية سنة 1920 أحدثت تغيرات في النظام الضريبي، كتخفيض أو إلغاء ضريبة أو أكثر، أو استبدال ضرائب جديدة بضرائب قديمة، وإحداث بعض التغييرات في طرق التخمين والجباية. وبين الضرائب العثمانية التي ألغيت بدل التمتع (ضريبة على المهنة أو العمل كانت تفرض على التجار والصناع الساكنين في مدن يزيد عدد سكان الواحدة منها على 2.000 نفس)، وبدل العسكرية، وبدل السخرة، وضريبة صيد الأسماك.

وكانت الضرائب خلال عهد الانتداب البريطاني على نوعين: ضرائب مباشرة، وضرائب غير مباشرة، بالإضافة إلى رسوم الرخص ورسوم الخدمات، التي هي أقرب بطبيعتها إلى الضريبة منها إلى بدل الخدمة.

1) الضرائب المباشرة: وهي ثلاث: ضريبة الأملاك في القرى، وضريبة الحيوانات، وضريبة الأملاك في المدن.

(1) ضريبة الأملاك في القرى: عند تطور النظام المالي الحكومي في فلسطين سنة 1935 استبدلت ضريبتان بهذه الضريبة، وهما ضريبة الأعشار، وضريبة “الويركو” أو ضريبة الأراضي في المناطق الريفية.

وكانت تخمن الأعشار عند إنشاء الإدارة المدنية لجان التخميين، وتجبى  نقداً حسب أسعار الاستبدال التي كانت تعين إدارياً. وكان العشر يجبى على معدل 12.5% من مجمل الغلة. وفي عام 1925 حفضت ضريبة الأعشار إلى 10% بطرح 2.5% منها، وهو يقابل المقدار الذي كانت الحكومة العثمانية قد أضافته إليها من أجل الاستعدادات الحربية والعجز في الميزانية وإنشاء المصرف الزراعي العثماني.

وقد صدر قانون تعديل الأعشار سنة 1927، وجعلت الضريبة مبلغاً سنوياً مقطوعاً، تجنباً للتأخير الذي ينجم عن التفتيش والاستئناف وتعديل أسعار الاستبدال. وقامت لجان تخمين بتوزيع ما يلحق القرية على الملاكين فيها حسب درجة الإنتاج في أملاك كل منهم، إذ كانت الأراضي مفروزة، وبحسب حصة كل منهم إذا كانت الأراضي من نوع المشاع غير المقسم. أما فيما يتعلق بالأشجار المثمرة فقد قامت لجان التخمين بتوزيع ما يلحق القرية على الملاكين وفق ما كان كل واحد منهم يدفعه من محصول أشجاره في السنوات الأربع السابقة مباشرة للتعديل.

وإذا كان التعديل الجديد مكن المزارعين من بيع محصولهم في السوق بدون التأخر الذي كان يقع في السابق، فإن التعديل كان أشد وطأة المزارعين، لأنه لم يبق على أساس علمي، ولم يكن صحيحاً من الوجهة الاقتصادية، فقد كانت السنوات الأربع السابقة للتعديل سنوات خصب، مثل معدلها الحد الأعلى للدفع، لا الحد المتوسط المناسب.

أما ضريبة “الويركو” فكان معدلها، حسب القوانين العثمانية 4 بالألف من قيمة الأراضي الأميرية، و10 بالألف من قيمة أراضي الملك. وكانت الحكومة العثمانية تزيد هذه المعدلات من وقت إلى آخر للقيام بنفقات خدمات خاصة، أو لسد العجز في الميزانية، وقد أصبحت المعدلات الحقيقة 6.24 بالألف من قيمة الأراضي الأميرية، و16.1 بالألف من قيمة أراضي الملك، و14.1 بالألف من قيمة الأملاك المبنية.

وقد سعت إدارة الانتداب إلى الاستعاضة عن ضرائب الأراضي (الأعشار والويركو) بضريبة واحدة، فسنت عام 1928 قانون ضريبة الأملاك في المدن، وأصدرت في النصف الأول من عام 1935 قانون ضريبة الأملاك في القرى، وهو يشبه، بوجه عام، القانون الأول الخاص بالمدن.

وقد خمنت الضريبة على البيانات المستغلة في القرى على أساس قيمتها السنوية الصافية. أما الأراضي القابلة للزراعة فقد قسمت إلى أصناف حسب تقدير درجة خصبها. وحدد معدل للضريبة على كل دونم بالنسبة إلى غلته السنوية الصافية المقدرة. وكلف مخمنون رسميون بإعداد سجلات للضرائب، وقوائم تخمين في شتى القرى، تبين عدد ومساحة القطع التي قسمت إليها منطقة القرية، وأصناف الأرض* بحسب درجة إنتاجها المقدرة. وكلف المخمنون الرسميون بتخمين القيمة السنوية للأبنية وإيجاراتها. وقد أوضح جداول ملحق بقانون الأملاك في القرى فئات الضريبة على الدونم الواحد حسب أصناف الأرض.

ونص القانون على إعداد ملاحق سنوية بسجلات الضريبة لتسجيل التغيرات التي تلحق بأصناف الأراضي في أثناء تحسينها.

وتعين مجموع الضريبة المستحقة على القرية بضرب عدد الدونمات في كل قطعة بفئة الضريبة على الدونم، حسب أصناف الأرض المشتملة عليها القطعة. وبعد تحديد مجموع الضريبة، تؤلف لجنة توزيع لتقرر الضريبة المستحقة على كل مالك بحسب ما يملكه في القطع المختلفة. ويتوقف الضبط في هذه الطريقة بالطبع، على الضبط في تقدير الممتلكات في كل قطعة، ولما كانت عملية مسح الأراضي ناقصة عند صدور القانون، ولما كانت الصكوك القديمة غير مضبوطة كان لا بد من وقوع أخطاء. ويلاحظ أيضاً أن مقادير الضريبة قد حددت بعد تقدير مجمل لما يمكن للأرض أن تتجه من الغلال الرئيسة. لكن التقدير الدقيق لنفقات الإنتاج وللمدخل من ملكية الأرض* لم يكن ممكناً، لأن هذه النفقات تتغير كثيراً. وتختلف من قرية إلى أخرى. وتختلف في القرى العربية عنها في المستعمرات الصهيونية. كذلك كان تحديد الدخل من الأرض صعباً جداً، لأن الإيجارات النقدية لم تكن معروفة آنذاك، وقد حددت الضريبة على الدونم الواحد بمعدل 10% من الغلة الصافية المقدرة، وقدرت الضريبة على الأراضي المزروعة أشجاراً حمضية 12.5% من الدخل الصافي على أساس أن مالكي السيارات الحمضية أقدر مالياً على الدفع من زراعي الحبوب. لكن الحوادث برهنت عكس ذلك بعد هبوط مواسم الانصار الحمضية خلال سنوات الثورة الكبرى.

(2) ضريبة الحيوانات: كانت تدعى ضريبة المواشي في العهد العثماني وتجببى منتجات حية، ثم استبدلت بها ضريبة نقدية على الرأس الواحد، وثبتت الضريبة في عهد الإدارة العسكرية، ولكن معدلها على الرأس الواحد حول إلى العملة المصرية التي كانت مستعملة في ذلك الوقت في فلسطين حسب قيمتها القانونية في مصر، وهي 87.75 من القرش المصري لكل ليرة ذهبية عثمانية. وبعد أن استبدلت بالعملة المصرية عملة فلسطينية معتمدة على الجنيه الاسترليني (النسبة بين الاسترلينية والمصرية 97.5%) لم تحول ضريبة الحيوانات إلى العملة الفلسطينية حسب هذه النسبة. وكان معدل الضريبة حتى عام 1937 كما يلي:

الغنم والمعز

الجمال والجواميس

الخنازير

48 ملاً على الرأس الواحد

120 ملاً على الرأس الواحد

90 ملاً على الرأس الواحد

 

 

وخفضت الضريبة عام 1937\1938 فأصبحت 20 ملا على الغنم والمعز و50 ملا على الجمال في اللواء الجنوبي.

وكان تخمين الضريبة السنوي يتم بعملية تعداد، وفي أواخر شباط ينظم العدادون قوائم حسب القرى أو المناطق العشائرية، ويحقق التعداد مفتشون في آذار، ثم تتم الجباية في الحال، حسب نصوص اتفاقات حسن الجوار بين السلطات في سورية ولبنان وفلسطين، بالنسبة إلى الأراضي التي يملكها شخص واحد وتمر بها الحدود، فإن إحصاء الحيوانات على تلك الأراضي وجباية الضريبة تقوم بها السلطة التي تقع داخل حدودها المباني الرئيسة للزراعة التابعة لها الأراضي. أما القطعان التي تخص منطقة جبل الشيخ، الذين يرعون قطعانهم في فلسطين وفقاً للعادات المرعية، فإن حكومة فلسطين تجبي الضريبة، وتحتفظ بثلث ما تجبي، وتغطي الثلثين للسلطات في سورية ولبنان بعد حسم 6% نفقات الجباية.

(3) ضريبة الأملاك في المدن: حلت هذه الضريبة محل “الويركو” في المدينة وضريبة المسقفات وضريبة الشركات. وقد مر الحديث عن الويركو. أما ضريبة المسقفات فكانت الحكومة العثمانية قد فرضتها عام 1910 بدلاً من الويركو، على مجمل الدخل من الأملاك المبنية. إلا أنها لم توضع موضع التنفيذ في فلسطين. وبعد الاحتلال البريطاني بدأ، في عامي 1920 و1921، تنفيذ الضريبة في المناطق البلدية في حيفا* وعكا وشفا عمرو*. وكان معدل الضريبة 3/1 8% من مجمل الدخل، وتقسم واردتها بين الحكومة والبلدية المختصة (3/1 3 للأولى و5 للثانية)، وتجبي من صاحب المسكن لا من مستأجره. وكان أصحاب المساكن في المدن الأخرى يدفعون “الويركو” والمستأجرون يدفعون ضريبة السكن، وظل الأمر على هذه الحال حتى عام 1925 عندما سن قانون ضرائب البلديات الذي حول البلديات كلها أن تجبي ضريبة على السكن.

وكان القانون العثماني قد فرض ضريبة الشركات عام 1913، وثبتت عام 1923 أيام الانتداب، ونصت على أن تدفع جميع الهيئات (دينية أو تعاونية) المسجلة مالكة لأموال غير منقولة، ضريبة سنوية على كل الأموال الداخلة تحت ملكيتها. وتجبي الضريبة بمعدل 1 بالألف من القيمة المخمنة للعقارات إذا كانت أراضي أميرية. أما أراضي الملك فتجبي الضريبة بمعدل نصف بالألف وقد قاومت الهيئات بشدة دفع الضريبة فألغيت سنة 1933.

وضعت ضريبة الأملاك في المدن موضع التنفيذ سنة 1928، وهي ضريبة قائمة على صافي القيمة السنوية (قيمة الإيجار الصافي السنوي) للأملاك المبنية (بيوت السكن) وللأبنية المستعملة لأغراض صناعية (أي تستخدم فيها الألات)، أو للأراضي التي ستستخدم للبناء عليها. وتقوم لجان تخمين صافي القيمة السنوية لهذه الأقسام الثلاثة. ويتم التخمين عامة، حسب الطرق المنصوص عليها في قانون ضريبة الأملاك في القرى، فالقيمة السنوية للبيت المأجور أو البناية الصناعية هو الإيجار السنوي، وإذا كان المالك يشغل الملك فتعين الإيجار لجنة تخمين وفق حجم الملك، وعدد الغرف، والإيجارات الفعلية لبيوت متشابهة. أما القيمة السنوية للأراضي فتقدر بنحو 6% من قيمة الأرض كما تخمنها اللجنة. وبوجه عام يجب ألا يزيد معدل ضريبة الأملاك في المدن عن 15% من صافي القيمة السنوية، ويعين سنوياً بمرسوم يصدره المندوب السامي (كان هذا المعدل عام 1938 مثلا 10%) وكانت هنالك بعض الإعفاءات.

وعلى الرغم من أن ضريبة الأملاك في المدن تبدو أفضل من ضريبة الويركو  التي كانت تفرض على أساس قيمة العقار. فإن فيها كثيراً من الثغرات. منها إعفاء الأملاك غير المأجورة والتي لا يستعملها أصحابها. ومنها أن الضريبة على الأراضي غير المحسنة تبقى قائمة على قيمة لا تنتجها هذه الأراضي فعلاً. ويضاف إلى ذلك أنه، بارتفاع أسعار الأراضي ارتفاعاً كبيراً وإعادة التخمين، أصبحت الضريبة شديدة الوطأة على الناس وعرضة للانتقاد.

2) الضرائب غير مباشرة: كانت الضرائب غير المباشرة ذات شأن كبير في النظام المالي الحكومي في فلسطين.

(1) الرسوم الجمركية: لا تنفرد فلسطين بسياسة خاصة بها فيما يتعلق بالرسوم الجمركية. وقد فرض صك الانتداب بعض القيود، منها عدم التفريق في المعاملة في فلسطين بين البلدان الأعضاء في عصبة الأمم* فيما يتعلق بالبضائع الصادرة منها أو المصدرة إليها. ومن تلك القيود أيضاً منح فلسطين من عقد اتفاقيات جمركية خاصة إلا مع البلدان التي كانت بكاملها سنة 1916 في تركيا الآسيوية أو مع البلاد العربية.

وكانت الرسوم الجمركية عامة تجبى على الطريقة النوعية لأنها هي أسهل من الرسوم التي تجبى على أساس القيمة. ولكن هذه الطريقة كانت ضارة بالمستهلك، الذي هو في الغالب من الطبقة الفقيرة، إذ كان يدفع رسوماً جمركية عالية لا تتناسب مع قيمة البضائع التي يستهلكها. إن 17% تقريباً من مجموع البضائع غير الخاضعة للرسوم هي المستوردات من سورية ولبنان حسب الاتفاقية الجمركية. كما تبلغ مستوردات الحكومة ومخازن الجيش البريطاني أيضاً نحو 17% من مجموع البضائع غير الخاضعة للرسوم. وبتحليل الرسوم التي جبيت سنة 1936 يظهر أن 72% من مجموع الأموال المحصلة ناتج من رسوم مفروضة على عدد محدود من البضائع الاستهلاكية التي يدفع معظمها الفرد العادي.

(2) رسوم المكس:

– رسم المكس على عيدان الثقاب: بعد إنشاء معمل لعيدان الثقاب خسرت الحكومة الدخل من الرسوم الكبريت المستورد، فسن قانون المكس على عيدان الثقاب سنة 1927 وكان الرسم المفروض في أول الأمر 50 ملاً على كل 10.000 عود، وفي سنة 1930 زيد الرسم حتى بلغ 125 ملاً. وكانت الرسوم تجبي على المقادير المبيعة للاستهلاك المحلي، لا على المصدرة إلى الخارج.

– رسم المكس على الملح: كان إنتاج الملح واستيراده في العهد العثماني احتكاراً حكومياً يذهب ربحه إلى إدارة “صندوق الدين العثماني” التي كان يوكل إليها إدارة الاحتكار. وبعد الاحتلال البريطاني تولت دائرة الجمارك والمكس والتجارة تجهيز الملح وبيعه. وكان الملح يستورد من مصر وقبرص، وفي أيار 1922 منحت الحكومة إحدى الشركات رخصة لاستخراج الملح بالتبخير من ماء البحر. وفي عام 1927 فرض رسم مكس على الملح قدره جنيه فلسطيني و500 مل، وبطل احتكار الحكومة للملح، وفرض استيراد قدره 3 جنيهات فلسطينية للطن الواحد من الملح المستورد، وأنشئت شركة أخرى لاستخراج الملح الصخري من منطقة على شاطىء البحر الميت، وبطلب الشركتين زادت الحكومة رسم الاستيراد على الملح إلى 4 جنيهات للطن.

– رسم المكس على التبغ: كان صنع التبغ في العهد العثماني احتكاراً حكومياً، أوكلت إدارته إلى شركة، ومنعت زراعة التبغ إلا برخصة من الشركة. وفي عام 1921 أصدر المندوب السامي قانوناً أباح زراعة التبغ في كل البلاد، وأبطل حقوق “شركة الريجبي لحصر التبغ والتنباك في الامبراطورية العثمانية” وامتيازاتها، وألغيت الضرائب على التبغ المستورد والسجائر والسيجار والسعوط. وفي الوقت نفسه فرضت ضريبة على الأراضي التي تزرع تبغا معدلها 2 – 4 ج.ف. للدونم الواحد، حسب جودة التبع المزروع. وفي عام 1925 وضع نظام المكس، فألغيت الضريبة على الأراضي المزروعة تبغاً، على ألا يزرع التبغ إلا بعد الحصول على رخصة، واتخذت تدابير مراقبة لزراعة التبغ ونقله واستيراده وصنعه وبيعه. وكان يرسم المكس على التبغ يجبى بمعدل 350 ملاً للكيلوغرام حتى سنة 1935، حين خفض إلى 250 ملاً للكيلو، ورفع الرسم سنة 1937 إلى 300 مل للكيلو، وراوحت رسوم الرخص بين 100 جنيه فلسطيني في السنة للمعمل و500 مل للبائع المتجول.

– رسم المكس على الخمور والمشروبات الروحية: استمرت أحكام القانون العثماني في هذا الرسم حتى عام 1927، حين استعيض عنه بقانون “بيع وصنع المسكرات” الذي سمح  بصنع المسكرات وبيعها بموجب رخصة تعطي لطالبيها بعد دفع الرسم المفروض، ويتراوح بين 50 ج ف و200 ج.ف. في السنة. وكانت معدلات رسوم المكس تختلف باختلاف كمية الكحول، وراوحت بين 10 و100مل على كل ليتر.

(3) رسوم الطوابع (التمغة ): كان في العهد العثماني نوعان من رسوم الطوابع: الرسوم المفروضة حسب قانون 1906، الذي ينص على فرض رسوم طوابع على كثير من أوراق المعاملات. ورسوم الطوابع الحجازية التي أضيفت إلى أنواع معينة من أوراق المعاملات الخاضعة أيضاً لرسوم الطوابع، وذلك لتحصيبل الأموال اللازمة لإنشاء سكة حديد الحجاز وصيانتها. وقد استمرت حكومة فلسطين في جباية هذه الرسوم بنوعيها حتى سنة 1927 حين صدر قانون رسوم الطوابع، وهو يتبع كثيراً أصول قانون الطوابع الإنجليزي، ويديره مأمورون قرارهم نهائي من حيث الطوابع على أوراق المعاملات وهم يتمتعون بصلاحيات واسعة من حيث الإعفاءات من الغرامات وتأجيل الإجراءات القانونية بغية تحصيل الرسوم والغرامات وبين جدول ملحق بالقانون الرسوم المفروض دفعها على أوراق المعاملات العديدة.

3) رسوم الرخص والخدمات: يصعب التميز بين الضرائب وبعض رسوم الرخص والخدمات لكن طبيعة هذه الرسوم تجعلها أقرب إلى الضرائب منها إلى بدل الخدمات، وأهمها:

(1) رسوم رخص النقل على الطرقات: كانت الرسوم من هذا المورد حتى عام 1934 توزع بالتساوي بين الحكومة والبلديات المختلفة. والأخيرة هي المسؤولة عن إنشاء وصيانة الطرق ضمن المناطق البلدية. وكانت رسوم الرخص عالية على أصحاب السيارات الذين عليهم أيضاً أن يدفعوا رسم استيراد عالياً على البنزين (200مل) على كل صفيحة (تنكة). وقد احتفظت الحكومة لنفسها بجميع هذه الرسوم وعوضت خسارة البلديات بمساعدات سنوية من الأموال العامة.

(2) رسوم المحاكم.

(3) رسوم تسجيل الأراضي ومسحها: وكانت تنتج بالأكثر من تسجيل نوع الأراضي والإيجارات، فالرسوم على البيوع 3% من قيمة الأراضي المنتقلة بالملكية، وعلى تسجيل الإيجارات 5% من قيمة إيجار سنة واحدة إذا كانت المدة أكثر من 10 سنوات. وتتراوح نسبة رسم تسجيل الأراضي المنتقلة بالإرث من 1.5% و5% من قيمة الأراضي حسب درجة القرابة بين المتوفى والوارث.

هـ- الاضرار الاقتصادية اللاحقة بعرب فلسطين من جراء سياسة الضرائب في عهد الانتداب البريطاني. بالاطلاع على سياسة سلطات الانتداب البريطانية في موضوع الضرائب، يتبين بجلاء أنها جزء من السياسة العامة التي كانت تمارسها للقضاء على الفلسطينيين اقتصادياً. فمنذ بداية الاحتلال، تشدد البريطانيون في جمع الضرائب المتراكمة، بالرغم من أن احتلال بريطانيا لفلسطين كان متوافقاً مع انتهاء الحرب العالمية الأولى التي عاشت فيها البلاد أزمة اقتصادية طاحنة. عانى منها الفلاحون الذين كانوا يؤلفون النسبة الكبرى من السكان.

وكان لفصل فلسطين على الأجزاء العربية المجاورة، وإنشاء حكومة خاصة بها لها تشكيلاتها الواسعة، تدفع لموظفيها الأجانب مرتبات عالية، أثر في إرهاق الأهالي بالضرائب الفادحة التي بموجب على المكلف الفلسطيني أن يدفع الضريبة بنسبة أعلى مما كان يدفعه المكلف في البلدان العربية المجاورة. وكانت السياسة الصهيونية هي العامل الأساسي في تضخم ميزانية الحكومة للإنفاق على ترتيبات واسعة لتنفيذ تلك السياسة وإعداد البلاد للهجرة الصهيونية، هذا في حين كانت الحكومة المنتدبة قد اعترفت لأكثر التشكيلات السياسية الدينية والاجتماعية اليهودية، بحق فرض الضرائب وجبايتها من الرعايا اليهود وإنفاقها في سبل عدة.

وقد أثقل كاهل  طبقة الفلاحين بالضرائب، بالنظر للحالة السيئة التي كان يعانيها الفلاح بسبب الأزمات الاقتصادية الخانقة، وضيق الأرض التي أصبحت بحوزته نتيجة انتقال مساحات كبيرة من الأراضي الخصبة لليهود، ووقوعه تحت عبء ديون طائلة كانت تتراكم عليه سنة بعد سنة، وأقبل الفلاح على الاقتراض بالربا الفاحش لسداد ديونه ولدفع قسم من الضرائب المفروضة. وعملت المصارف الصهيونية عملها في هذا المجال. وقد صور تقريرا لجنة جونسون – كروسبي ولجنة جون هوب سمبسون* بؤس الفلاح وقلة دخله.

بلغ معدل الدخل السنوي العادي لعائلة الفلاح 31 جنيه  و370ملاً، (وفقاً لتقدير لجنة جونسون كرمبسي)، وبعد خصم معدل الفائدة 30% على معدل الدين البالغ 27 جنيهاً، (أي 8 جنيهات)، ينزل الوارد الصافي إلى 23 جنيهاً و370ملاً، وكان هذا الرقم عرضة لجميع أنواع الضرائب المباشرة وغير المباشرة على أرض الفلاح وحيواناته. وأظهرت الحكومة منتهى القسوة والظلم في جباية هذه الضرائب، فكانت تضاعف الضريبة على الفلاح الذي لا يظهر عدد حيواناته عند التعداد. ولم تكن تنظر إلى الفلاح إنساناً جديراً بفتح طرق إلى قريته من أموال الميزانية العامة، فسنت قانوناً فرضت عليه فيه العمل لفتح هذه الطرق، وإلا دفع رسماً خاصاً.

وبرهن تقرير لجنة جونسون – كروسبي أن الفلاح يدفع 3 جنيهات و870 ملاً تسديداً للضريبة المباشرة، تاركاً له رصيد 19 جنيهاً و500 مل. وكان من الظلم أن تحصل الحكومة على ضريبة مباشرة من الفلاح وهو في هذه الحال السيئة، في حين تبتلع الهيئات المالية والمتاجر الكبرى والصناعات ورجال المهن الحرة، وأكثرهم من اليهود. المكاسب الضخمة ولا يدفعون شيئاً من الضرائب المباشرة. وحين فكرت الإدارة في تطبيق ضريبة التمتع عارضت اللجنة الصهيونية وأوقفت المشروع، ولكي تستر الحكومة عجزها وحدت الضرائب على الفلاح وجعلتها ضريبة ثابتة على الأراضي ولكن ذلك لم يساعد على تحسين حال الفلاح.

وبالإضافة إلى ذلك كله كان الفلاح مسؤولاً عن دفع ضرائب غير مباشرة يشترك في دفعها مع ابن المدينة. وقد قدرت بمبلغ جنيهين رسماً جمركياً على البضائع التي يشتريها. وهذه  الضرائب على الضروريات فرضت لتغطي النقص الناشىء عن الإعفاءات المتعددة على كثير من البضائع الجديدة المستعملة التي يستفيد منها المهاجرون الصهيونيون، بغض النظر عما إذا كانوا عمالاً أو رأسماليون. وهكذا بلغ مجموع الضرائب التي كان يدفعها الفلاح 25% من إيراده السنوي الصافي، أي أن ما يبقى من الرصيد هو 17 جنيها و50ملاً لشراء جميع حاجياته السنوية، في حين يقدر تقرير لجنة جونسون – كروسبي المعدل اللازم لحاجة العائلة من المواد الضرورية هو 26 جنيهاً فلسطينياً.

ويلاحظ أن الضرائب المفروضة على مئات الشعب المختلفة كانت لا تتناسب والدخل، ويبين الجدول التالي مقدار الضرائب المباشرة وغير المباشرة التي تدفعها كل فئة من فئات الشعب.

إن الحكومة تكلف الفلاح الذي بلغ معدل دخله السنوي 23 جنيهاً و 370 ملاً يدفع 25% من هذا الدخل ضرائب، بينما كان التجار وذوو المهن الحرة والمستخدمون الذين يبلغ دخلهم ألف جنيه يدفعون 12.5% فقط. وقد كانت هذه السياسة الضريبية جزءاً من سياسة عامة ترمي إلى وضع الفلاح في ظرف اقتصادي يجبره على بيع أرضه ويضمن إنشاء “الوطن القومي الصهيوني”.

وقد عقد العرب المؤتمرات لبحث سياسة الدولة الضريبية. وأشار المؤتمر الذي عقد في القدس بتاريخ 12/5/1933 إلى الحال السيئة التي وصل إليها المكلف الفلسطيني. والضرائب الكثيرة التي يدفعها. والتي تزيد كثيراً من الضرائب الكثيرة التي يدفعها. والتي تزيد كثيراً من الضرائب المقررة في البلدان المجاورة، من أجل سد حاجات ميزانية الحكومة المتضخمة والمشتملة على بنود وأرقام لا يعود نفعها إلى البلاد وإلى أهلها العرب.

وقد طرحت في أوساط الحركة الوطنية منذ عام 1933 مسألة الامتناع عن دفع الضرائب لمواجهة مسألتي الهجرة الصهيونية وبيع الأراضي. واقترح أن يكون الامتناع عن تسديد الضرائب الخطوة التدرجية الأولى لتطبيق سياسة اللاتعاون. ولكن لم يتم الاتفاق على هذه المسألة، خشية طرح الأملاك للبيع في المزاد فيشتريها الصهيونيون، واكتفى بتطبيق سياسة اللاتعاون الاجتماعي، والدعوة إلى مقاطعة جميع البضائع والمصنوعات والمتاجر الصهيونية. وبنشوب ثورة 1936 – 1939* تبنت الحركة الوطنية الفلسطينية مبدأ “لا ضرائب بدون تمثيل”، ورافق أعمال الثورة الامتناع عن دفع الضرائب خلال الاضراب العام الكبير.

وحاولت السلطات البريطانية، للقضاء على الثورة والاضراب، أن تنضم   عرى الوحدة الوطنية بين المدينة والقرية، فخفضت ضريبة الأملاك في القرى عن الأثمار الحمضية وقررت إعفاء الفلاح من دفع 50% من ضريبة الأعشار على محصوله، لكن ذلك لم يؤثر في تضامن الفلاحين وأهل المدن صفاً واحداً في إضرابهم الطويل وثورتهم الكبرى.

ولا بد أخيراً من الإشارة إلى موضوع وثيق الصلة بالضرائب وسياسة سلطات الانتداب بشأنها، وهو حماية سلطات الانتداب للصناعات الصهيونية، وما كان يجره ذلك من أضرار تلحق بدافع الضرائب العربي. فقد كانت الحكومة تفرض الرسوم الجمركية العالية على البضائع المستوردة بحجة حماية الصناعة المحلية، التي كان كثير منها بأيدي الصهيونيين، فيضطر العربي إما إلى دفع هذه الضرائب العالية، وإما إلى شراء ما تنتجه الصناعة الصهيونية. لذلك كانت هذه السياسة في النهاية تخدم الأغراض الصهيونية المرسومة، وتشجع نمو الاقتصاد الصهيوني، وتزيده قوة ونشاطاً، وتفتح الباب واسعاً لاستيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين الصهيونيين تتوفر لهم فرص العمل الكثيرة، في حين تضع العربي، سواء كان من أبناء المدينة أو من أبناء الريف، في ميدان مع الصهيونية وهو مثقل بأغلال الضرائب الكثيرة، مقيد بأعبائها.

 

المراجع:

 

–         الطبري: تاريخ الرسل والملوك، القاهرة 1326هـ.

–         القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم: كتاب الخراج، القاهرة 1302هـ.

–         البلاذري: فتوح البلدان، القاهرة 1219هـ.

–         المقزيزي: الخطط المقزيزية، القاهرة 1327هـ.

–         ابن مماتي: قوانين الدواوين، القاهرة 1943.

–         سعيد عبد الفتاح عاشور: العصر المملوكي في مصر والشام، 1965.

–         محمد ضياء الدين الريس: الخراج والنظم المالية للدولة الإسلامية، القاهرة 1957.

–         عبد العزيز عوض: الإدارة العثمانية في ولاية سورية، القاهرة 1969.

–         علي الحسيني: تاريخ سورية الاقتصادي، دمشق 1342هـ.

–         سعيد حماد (إعداد): النظام الاقتصادي في فلسطين، بيروت 1939.

–         كامل محمود خلة: فلسطين والانتداب البريطاني 1922 – 1939، بيروت 1974.

–         عيسى السفري: فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية، يافا 1937.

–   عبد الوهاب الكيالي: وثائق المقاومة الفلسطينية العربية ضد الاحتلال البريطاني والصهيوني 1918 – 1939، بيروت 1968.

 

الضغط الجوي: رَ: المناخ

 

الضهيرية (قرية -): رَ: خربة الضهيرية (قرية -)

admin

Share
Published by
admin

Recent Posts

ميعار (قرية)

تقع قرية ميعار في منطقة الجليل* شمالي فلسطين، وتبعد 17 كم عن عكا* من الجهة…

6 سنوات ago

اليونسكو

بدأت خدمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) لقضية فلسطين في آب 1950 حين…

7 سنوات ago

الييشوف

كلمة عربية معناها الاستيطان. وتطلق في الكتابات الصهيونية على التجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين قبل…

7 سنوات ago

يوم الأرض

يوم الأرض هو يوم الانتفاضة الوطنية العارمة التي تفجرت في 30/3/1976 على شكل اضراب شامل…

7 سنوات ago

يوغسلافيا والقضية الفلسطينية

أ- في مرحلة تقسيم فلسطين :ارتبط موقف يوغسلافيا من القضية الفلسطينية بطبيعة الأوضاع الدولية السائدة…

7 سنوات ago

يوسيفوس فلاويوس (38-100م)

من أبرز المؤرخين اليهود القدماء في فلسطين. ومؤلفاته هي المصدر الرئيس لتاريخ اليهود وحوادث تمردهم…

7 سنوات ago