من الممكن التعرف الى الملامح الأساسية لتفكير الرئيس الأمريكي جون كيندي فيما يتعلق بالشرق الأوسط، والصراع العربي- الإسرائيلي بوجه خاص، من خلال خطاب ألقاه في 24/2/1957 في المؤتمر القومي للمسيحيين واليهود وآخر ألقاه أثناء معركة الرئاسة في اجتماع صهيوني في آب 1960، ومن خلال ما جاء في كتابه “استراتيجية السلام”.
ففي خطاب شباط 1957 تحدث كيندي قائلاً: “إنني لا أريد تبسيط المشكلات المعقدة في الشرق الأوسط، ولكني سأحث حكومة الولايات المتحدة على أن تهب بعد اجراء المشاورات بين العرب وإسرائيل وزعماء دول أخرى لوضع سياسة شاملة لتسوية عادلة تتضمن: حلاً لمشكلة قناة السويس بالعبور الحر المفتوح لكل دول العالم بلا تمييز وبلا تدخل سياسي، وتشكيلاً للجنة دولية من خبراء غير متحزين لتخطيط الحدود. وأما بالنسبة للاجئين فسأقترح عودة من يرغب منهم في العودة ليعيش في ظل الحكومة الإسرائيلية باسم الصداقة الوفية، وتعويض من لا يرغب في العودة، وتوطين اللاجئبن عبر القيام بمشروعات اقتصادية عملاقة في المنطقة”.
وفي خطاب آب 1960 الانتخابي أعاد كيندي تأكيد مقولات الحزب الديمقراطي الأميركي قائلاً: “إننا على يقين من بقاء إسرائيل لأنها إلى حيز الوجود لتختفي. بل أنها ستبقى وليدة الأمل وموطن الرجاء، وليست إسرائيل مسألة حزبية بل هي التزام قومي”.
ويقول كيندي في كتابه “إن أخطاءنا في الشرق الأوسط أخطاء في طريقة النظر إلى الأشياء. اننا لم ننظر إلى مشاعر الشرق الأوسط القومية وتطوره الاقتصادي. فلقد اعتبرها سياسيونا عوامل ذات أهمية ثانوية. ولكن هذا لا يدعو إلى القول بأننا مخطؤون بالضرورة في أن تدعي بأن الشيوعية هي عدوهم الأكبر. ولككنا سنكون مخطئين اذا اعتقدنا أننا نستطيع اقناعهم بأنها كذلك. لقد كنا مخطئين عندما اعتقدنا أن ما بدا لنا واضحاً بالضرورة ملزم لشعوب أخرى لها مشاكل تختلف عن مشاكلنا، شعوب تؤمن بالحياد ولها تاريخ غريب مع الاستعمار الأجنبي. فالموقف في الشرق الأوسط لم يتحسن بالتصريح الدرامي لنظرية أيزنهاور التي عالجت الموقف في الشرق الأوسط على أنه مقاطعة أكريكية يدافع فيها ضد اعتداء خارجي. فلقد تجاهلنا تأثير القومية العربية الثائرة”.
وحدد كيندي في كتابه سبع حقائق في الشرق الأوسط يجب أن تؤخذ جميعها بعين الاعتبار عند تسوية النزاع في هذه المنطقة، وهي: الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط حيث يقع في منتصف الطريق بين عملاقي الشرق والغرب، والبترول، ونجاح تسلل الشيوعيين والاتحاد السوفياتي إلى المنطقة، والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة (التوزيع غير العادل للثروة)، وبروز القومية العربية، وبروز مصر كزعيمة للكتلة العربية، (إسرائيل) التي وجدت لتبقى.
ولما أصبح كيندي رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية جرت مراجعة شاملة للوضع في الشرق الأوسط اشترك فيها خبراء أكفياء في شؤون الشرق الأوسط. وعلى ضوء حصاد سياسة ايزنهاور بدأ كيندي مراسلاته الشهيرة مع الرئيس جمال عبد الناصر*، وذلك في رسالته (أيار 1961) التي طرحت مشروعاً عاماً لحل النزاع في المنطقة وجاء فيها:
1) ستقدم الولايات المتحدة أقصى ما يمكنها من المساعدات الملائمة لكل دول الشرق الأوسط المصممة على التحكم في مصيرها بقصد توافر مزيد من الرفاهية لشعوبها، مع السماح لجاراتها بالعمل عن تحقيق هذه الأهداف الأساسية نفسها.
2) إن الولايات المتحدة مستعدة دائما للمساهمة في نطاق الأمم المتحدة وخارج نطاقها، في البحث عن حلول للمنازعات التي تبدد الطاقات الثمينة لدول الشرق الأوسط وتؤخر التقدم الاقتصادي التي تريد كل الشعوب الحرة بحق أن تتمتع به.
3) إن الولايات المتحدة اذ تتطلع إلى تحسين حال شعوب الشرق الأوسط، مستعدة للاستمرار في تقديم المساعدات اللازمة لتنفيذ برامج التنمية القومية الموضوعة.
“إننا مستعدون للمساهمة في حل مشكلة اللاجئين العرب على أساس المبدأ القاضي باعادتهم إلى ديارهم، أو بتعويضهم عن ممتلكاتهم. وكذلك نحن مستعدون للمساهمة في إيجاد حل منصف ومعقول للمشكلة الناجمة عن المشروع الخاص بتنمية موارد مياه نهر الأردن. واني لمسرور لأن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أبرزت أخيراً ضرورة الاسراع في تنفيذ توصياتها السابقة بشأن مشكلة اللاجئين، وأود أن أذكر بوضوح أن موقف هذه الحكومة حيال تلك المشكلة يستند وسيظل مستنداً إلى التمسك بتأييد توصيات الجمعية العامة بشأن اللاجئين مع الاهتمام دون تحيز بتنفيذ تلك التوصيات بطريقة تعود على اللاجئين بأكبر قسط من المنفعة. وإن الولايات المتحدة، بوصفها عضواً في لجنة التوفيق*. تنظر بعين الجد إلى المهمة التي عهدت بها الأمم المتحدة إليها. وإننا مصممون على أن نستخدم نفوذنا حتى تضاعف هذه اللجنة جهودها للعمل على إحراز تقدم فيما يتعلق بايجاد حل سلمي وعادل. وأرجو أن تتعاون الأطراف مع أي برنامج تتخذه اللجنة بقصد حماية مصالح اللاجئين”.
وقد رد الرئيس عبد الناصر برسالة مطولة تناولت جذور المشكلة المتمثلة بإعطاء من لا يملك إلى من لا يستحق (أي بريطانيا والصهيونية في وعد بلفور*) فاستطاع الاثنان أن يسلبا صاحب الحق الشرعي حقه فيما يملكه وفيما يستحقه. وتحدثت الرسالة عن مواقف أمريكا المؤيدة للصهيونية وأكدت أخيراً أن (إسرائيل) خطر يهدد المستقبل العربي برمته.
بعد ذلك طلبت الأمم المتحدة من لجنة التوفيق أن تقدم تقريرها في موعد أقصاه 15/10/1961. وبات واضحاً أن عمل اللجنة الرئيس، كما جاء في مشروع الرئيس كيندي، هو استكشاف طرق تطبيق القرار 194(د-3) الصادر في 10/12/1948 والداعي إلى العودة أو التعويض لمن يرغب (رَ: العودة، حق)، وكذلك تطبيق القرار 1604 (الدورة 15) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 21/4/1961، وهو يحث لجنة التوفيق على بذل الجهود اللازمة لتأمين تنفيذ الفقرة 11 من قرارها 194 والاعلام عن ذلك في موعد لا يتجاوز 15/10/1961.
وقدم جونسون رئيس بعثة لجنة التوفيق تقريره في تشرين الأول 1961،وتحدث فيه عن ضرورة الوصول إلى حل متدرج لمشكلة اللاجئين وطالب بعودة من يريد مع حق (إسرائيل) في التدقيق والاعتراض حسب إمكانياتها الاقتصادية الاستيعابية، وبشرط بقائها دولة يهودية الطابع. وتوقع حسب شروطه أن يعود عشر اللاجئين. وأما التعويض فاقترح أن يكون قياسا لثمن الممتلكات عام 1948.
رفض بن غوريون في تشرين الثاني 1961 مشروع جونستون أمام الكنيست* ورفضته غولدا مائير فيما بعد.
بعد توقف محاولات كيندي عادت المساعدات تتدفق على (إسرائيل) وزودتها الولايات المتحدة بصفقة صواريخ هوك وبمساعدات متعددة الأشكال.
المراجع:
- وزارة الثقافة والإرشاد القومي: وثائق فلسطين، ج2، 1950-1965، القاهرة 1965.
- Robert Silverberg: If I forget thee, O Jerusalem! American Jews and the State, New York.1970.