في 1/3/1976 قدم المفوض إسرائيل كونيغ (Israel Koenig) حاكم المنطقة الشمالية (الجليل) في (إسرائيل) تقريراً سرياً إلى رئيس الوزراء اسحاق رابين والسلطات المختصة يحلل فيه أوضاع المواطنين العرب في الكيان الصهيوني (حدود سنة 1948) ويقترح تغييرات في السياسة الإسرائيلية تجاههم واتخاذ تدابير أمنية واجتماعية وسياسية وعسكرية تزيد في قدمهم وفي ممارسة السياسة التميزية العنصرية ضدهم.
ويعد يوم الأرض* في 30/3/1976 وما شهده من أحداث دامية في منطقة الجليل خاصة قدم كونيغ تقريراً آخر إلى رئيس الوزراء حلل فيه يوم الأرض ودوافعه وضمنه توقعاته واقتراحاته.
وقد نشرت صحيفة حزب المابام* وعل همشمار “التقرير كاملاً بقسميه الرئيس والملحق في 7/9/1976.
ومن المعروف الثابت قانونياً وعملياً أن أول معيار يقاس به المواطن في (إسرائيل) هو كونه يهودا أو غير يهودي. ولم يكن هذا التصنيف البشري ذا غاية دينية فحسب وإنما أصبح، بمفهوم القانون والممارسة والتطبيق أمام (الدولة) وفي المجتمع الإسرائيلي، شكلاً من أشكال التمييز العنصري. وهنا يتساءل المرء عن الوضع القانوني للمواطنين غير اليهود في (إسرائيل)، وهم العرب المسلمون والمسيحيون، وعن مكانتهم في التشريع وأمام القانون والسلطة وفي الحياة العامة واليومية.
إن تقرير كونيغ يتضمن بعض الأجوبة على هذا التساؤل. والتقرير بحد ذاته وثيقة هامة تعكس قلق السلطة الحاكمة من الوجود العربي في (إسرائيل) ومن وعي المواطن العربي وتمسكه بعروبته ومقاومته للسلطة ومناهضته لتشريعها وممارستها العنصريين.
يقدم التقرير تحليلات لأوضاع المواطنين العرب في (إسرائيل)، وبخاصة في المنطقة الشمالية، وينتقد السياسة المطبقة عليهم لأنها لينة قاصرة، ويضع تنبؤات مستقبلية، ويقترح على حكومته حلولاً يستمدها من الفكر الصهيوني العنصري، وتقوم على أساس اعتبار الأقلية العربية الإسرائيلية عنصراً أجنبياً يجب تحييده في الحياة العامة ونزع مقوماته وإلغاء شخصيته القومية لأنه حسب رأيه يشكل خطراً داخلياً في المجالات السكانية والاقتصادية والسياسية.
وقد اعترف المفوض كوينغ بفشل السلطة في احتواء المواطنين العرب وسقوط جميع الادعاءات الإسرائيلية عن امكانية دمجه في المجتمع الإسرائيلي وتعايشهم السلمي مع اليهود. وتزايدت علامات الشعور بهذا الفشل بعد انتفاضة عرب (إسرائيل) في يوم الأرض في 30/3/1976.
ان وثيقة كونيغ اذ تتبع من فكر صهيوني عنصري تؤكد ضرورة تنفيذ سياسات تزيد في التمييز بين اليهود والعرب، وتقترح تدابير قمعية سياسية وأمنية وعسكرية. وأهم ما ورد في التقرير بقسميه يتلخص في النقاط التالية:
أ- مقدمة عامة:
1) كان من المتعارف عليه في (إسرائيل) “أن تسليم السكان العرب بقيام دولة (إسرائيل) يعتبر تسليماً تاماً، وأنهم في غالبيتهم العظمى قد ارتبطوا بها بشكل جيد واندمجوا في مؤسساتها المختلفة”. “وقد وقعت مؤخراً عدة حوادث ألقت الشك على هذه الادعاءات ووضعت ولاء قسم كبير من العرب للدولة ولوجودها موضع التساؤل”.
2) إن الجيل العربي الشاب يشعر بالقوة التي يمتلكها في مجتمع ديمقراطي. وكثيراً ما أرغمت ثورة هذا الجيل الجيل الأكبر على الانضمام إلى معسكر المتمردين الذين اعتبروا (الدولة) هدفاً لنضالهم.
ب- المشكلة السكانية ومظاهر القومية العربية:
1) تبلغ نسبة تزايد السكان العرب في (إسرائيل) 5.9% سنوياً مقابل 1.5% للسكان اليهود. وطبقاً لهذا المعدل من التزايد سوف يزيد العرب في عام 1978 عن 51% من اجمالي السكان في المنطقة الشمالية. “إن هذا سيضع سيطرتنا على هذه المنطقة في خطر”.
2) خلقت “حرب الأيام الستة” (حرب 1967*) لدى السكان العرب موجة من الوطنية ازدادت قوة بعد “حرب يوم كيبور” (حرب 1973*) والأحداث التي تلتها وتماثلت بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية* حاملة للواء النضال من أجل القضية الفلسطينية. إن “العربي الإسرائيلي” لم يعد سلبياً بل انتقل إلى مرحلة من مراحل العمل الوطني.
3) إن الزيادة في عدد السكان العرب تعطي العناصر الوطنية العربية شعوراً بالقوة والأمل في أن الزمن يعمل لصالحهم.
4) هناك مؤشرات لنشاط منظم في مجال شراء الممتلكات في الشمال.
4) لمواجهة هذا الوضع يجب توسيع الاستعمار اليهودي. وتعميقه في المناطق التي يقيم فيها العرب بصورة دائمة ودراسة إمكانية التخفيف من تجمعات العرب الحالية. وفي الوقت ذاته يجب تنفيذ قوانين (الدولة) الخاصة بمنع العرب من الاستيطان في أجزاء معينة من البلاد.
6) ويجب أيضاً “اتباع سياسة الثواب والعقاب (ضمن اطار القانون) حيال المسؤولين والتجمعات العربية التي تظهر عداءها بشكل من الأشكال للدولة أو الصهيونية”.
7) يجب إنشاء حزب عمالي يضم العرب ويركز على أفكار المساواة والإنسانية والنضال الاجتماعي ورفع لواء السلام في الشرق الأوسط. ويجب على المؤؤسات الحكومية أن تعد نفسها لتمارس حضوراً خفياً ووقاية في هذا الحزب.
ج- القيادة العربية وتأثيراتها:
1) لقد فشل المجتمع اليهودي الديموقراطي المفتوح الذي ضم السكان العرب الباقين بعد إنشاء (الدولة) في استيعابهم من حيث العادات أو من حيث طريقة التفكير.
2) إن الجيل الثاني الذي ترعرع في المجتمع الإسرائيلي والذي يحاول التكيف مع طريقة الحياة الإسرائيلية لم يتمكن بعد من قرار قيادته. وكان لزاماً على المسؤولين خلق قيادات تكون مقبولة من هذا الجيل وموالية للدولة.
3) إن الصراع بين رجال الجيل الأول الذين يتولون المراكز المختلفة والجيل الشاب المتمرد سيزداد عمقاً. وسينتج عن ذلك تحول الصراع من أجل السلطة إلى صراع ضد النظام و(الدولة)، وستتجه الأكثرية العربية أكثر فأكثر إلى معسكر التمرد.
4) ولمواجهة هذا الوضع لا بد من تبديل المسؤولين في أجهزة الدولة عن الشؤون العربية وأدراتها. ولا بد في الوقت ذاته من التخلص من القيادات العربية الحالية التي لا تمثل السكان العرب.
5) وفي مقابل ذلك يجب البدء فوراً بتكوين قيادات جديدة تعمل على إنشاء حزب عربي شبيه بما أشير إليه من قبل.
د- الاقتصاد والعمل:
1) إن التطور والازدهار الاقتصاديين منذ قيام (الدولة) لم يشملا السكان العرب. وقد أدت الفجوة الكبيرة القائمة بين العرض والطلب للأيدي العاملة في جميع المجالات الاقتصادية إلى شعور بالقوة لدى العرب استغلته العناصر المعادية للنظام.
2) ان الأمن الاقتصادي والاجتماعي الذي يحرر الفرد والعائلة من الضغوط اليومية يعطي العرب الفرصة للاستسلام إلى أفكار “اجتماعية وطنية”، كما يعطيهم شعوراً بالقوة يزيد في نموهم.
3) ان زيادة العمال العرب في المصانع سيعجل بالانقسام بين اليهود والعرب ويتطور إلى حوادث عنيفة لا يمكن السيطرة عليها.
4) ان السيطرة العربية القوية على بعض مجالات الاقتصاد تزيد في إمكانيات الاضراب ورفض التعاون. ويعتبر بالنسبة إلى (الدولة) خطراً كبيراً على الاقتصاد والسياسة.
5) لمواجهة هذا الوضع يجب اتخاذ تدابير تقضي بعدم تجاوز نسبة العاملين العرب في أي مصنع 20% وبالحد من سيطرة موزعي السلع الاستهلاكية العرب.
6) وعلى الحكومة أن تعمل على انقاص المعونات المخصصة للأسر العربية وتوجه الوفر الناتج إلى الأسر اليهودية فقط.
هـ- التعليم:
1) إن التغييرات الحاسمة في عقلة العرب وسلوكهم كانت في معظمها نتيجة لانتشار التعليم بينهم. وإن توجيه الطلبة العرب إلى العلوم الاجتماعية والانسانية وعدم القدرة على توظيفهم جميعهم خلقا قطاعات واسعة من المثقفين وجدت متنفسها في الوقوف ضد (الدولة). وقد يتحول ذلك إلى عنف منظم. بل إن البراعم الأولى لهذا العنف قد وجدت بالفعل. وقد ينضوي بعض هؤلاء تحت راية النضال الوطني والاجتماعي ويرتبطون بمنظمة التحرير الفلسطينية أو بأكثر المنظمات تطرفاً.
2) لمواجهة هذا الوضع لا بد من تطبيق قواعد تقلل كثيراً عدد الطلاب العرب في الجامعات. كما يجب تشجيع الطلاب على الانتساب إلى الاختصاصات الفنية والعلوم الطبيعية. فهذه الدراسات لا تترك وقتاً كبيراً للاهتمام بالنواحي القومية، وسوف تتزايد فيها نسبة الطلاب الذين لا يكملون دراستهم.
3) “يجب تشجيع الطلاب العرب على السفر إلى الخارج للدراسة ثم تضييق الخناق على عودتهم وتشغيلهم في إسرائيل. إن هذه السياسة ستساعد على هجرتهم إلى الخارج”.
و- فرض القانون: إن المحافظة التامة على الأمن الداخلي ذات أهمية عظمى بالنسبة إلى (الأمة) واليهود. فعدم الطاعة العلنية للقانون في مجتمع يلتزم بالقانون يولد بذور انتهاكه ويؤدي إلى حالات تتطلب معالجتها جهوداً كبيرة. وهنا يجب ألا ننسى أن نسبة السكان العرب في (إسرائيل) هي 14%، وقد يأخذ انتهاكهم للقانون صفة ثورية.
ز- يوم الأرض:
1) إن النجاح الكامل للاضراب في القطاع العربي هو حقيقة يجب أن تدرس بعناية: “وقد بدأت حملة الاقناع بضرورة الاضراب من قبل عناصر رسمية كرؤساء المجالس البلدية والأعيان الذين يعتبرون معتدلين بشكل عام ويتعاونون مع الحكومة الإسرائيلية”.
2) “وللمرة الأولى منذ نشأة دولة إسرائيل خلق موقف استجاب فيه السكان العرب بشكل صريح علني-على عكس رغبة الحكومة- للطالب العربية الوطنية المتطرفة، كما أظهروا استعداداً نفسياً للعمل من أجل تحقيق هذه المطالب”.
3) “نجح تحريض الجماهير وتربطها في شكل كفاح مسلح مع جيش الدفاع. وقد تركزت هذه المواجهة علامات عميقة وخطيرة سيمتد أثرها إلى فترة طويلة في المستقبل”.
4) “إن الأعمال العنيفة والسافرة، على الرغم من النتائج المؤسفة التي عادت بها على السكان، ملأت نفوسهم بمشاعر الكرامة والعزة الوطنية. وهم فخورون لأنهم صمدوا بشجاعة في الصدام مع القوات الرسمية للدولة”.
5) “إن الوحدة المطلقة للسكان العرب التي تم التوصل إليها في يوم الأرض والانشقاق العميق الذي نشأ بين القطاعين العربي واليهودي يعدان انجازاً تاريخياً لمنظمي الاضراب”.
6) “شعرت مصانع وخدمات عديدة، نتية الاضراب، بمدى اعتماد الاقتصاد الإسرائيلي على العناصر العربية”.
7) “إن المعطيات التي تشكلت في يوم الأرض وبعده تعطي العناصر الوطنية فرصا كثيرة لإثارة الاضطرابات في الدولة، ولخلق حالات من الإثارة والتوتر الطائفي. وستصاعد حملة الإثارة إلى درجة تهديد العرب الذين يتعاونون مع الحكومة وشحذ رغبة الانتقام من قوات الدولة”.
8) “إن مثل هذا السلوك سوف يولد مناخا من التطرف ويدفع الوضع إلى مزيد من التدهور”.
المرجع:
- النص الكامل للتقرير في مجلة شؤون فلسطينية، العدد 60، تشرين الأول-تشرين الثاني 1976.