ناحوم غولدمان هو أحد مؤسسي المركز اليهودي العالمي*, ومن أشد أنصار إقامة “الوطن القومي اليهودي” في فلسطين حماسة. حضر جميع دورات المؤتمر الصهيوني* وتولى رئاسة المنظمة الصهيونية العالمية* منذ 1956 حتى 1968. وبعد حرب 1967* أخذ غولدمان ينادي بعدم جدوى تحقيق أمن (إسرائيل) عن طريق القوة العسكرية وبضرورة التفاهم مع العرب. ومن هذا القبيل يأتي مشروعه لحل القضية الفلسطينية.
يرتبط مشروع غولدمان بانتاج السياسي الذي كان يخيم في عام 1970. ففي منطقة المشرق العربي كانت حرب الاستنزاف المصرية- الاسرائيلية* تتصاعد، وبرز مشروع روجرز* الذي قبلته مصر وسعت (إسرائيل) إلى إحباطه. من ناحية ثانية شهدت المواقع الأمريكية هزات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وبدا واضحاً أن الاتحاد السوفييتي جاد في دعم الدول العربية.
في ضوء ما تقدم بادر ناحوم غولدمان في شهر نيسان عام 1970 إلى القيام بمبادرات واسعة ظهرت إحداها في مجموعة من المقاتلات طرح فيها آراء: أما الثانية فمثلت في المحاولة التي قام بها للقاء الرئيس جمال عبد الناصر* في القاهرة. بشرط أن يكون اللقاء بمعرفة الحكومة الإسرائيلية. وقد قوبلت مساعي غولدمان كلها باستهجان كبير في أوساط الحكومة الإسرائيلية خاصة، بسبب تشعب الأطراف المكونة لهذه الحكومة، والتناقض والاختلاف بينها حول هذه المساعي، مما عرض غولدمان لهجوم مركز من بعض أطراف هذه الحكومة. كما تعرضت الحكومة ذاتها أيضاً لهجوم من جهات أخرى في المجتمع الإسرائيلي. إذا فما يسمى “مشروع غولدمان لحل القضية الفلسطينية عام 1970” هو في الحقيقة مجموعة من الاقتراحات، تضمنتها مقالات، نشرت واحدة منها في مجلة Foreign Affairs الأمريكية، ونشرت ست أخرى في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية.
لقد رأى غولدمان في مقالته الأولى أن الحل الأمثل لصراع العربي – الإسرائيلي هو إقامة اتحاد كونفدرالي للدول منطقة الشرق الأوسط، تكون (إسرائيل) عضواً فيه. ولكن الصعوبات الواقعة التي تحول دون قبول هذا الحل تحتم عليه. في زعمه، طرح المقترحات التالية من أجل تحييد (إسرائيل) خارج دائرة سياسات القوى العالمية، مع متطلبات هذا التحييد:
1) انسحاب (إسرائيل) من الأمم المتحدة حتى لا تضطر إلى اتخاذ مواقف مع الكتل المصطرعة داخلها.
2) إيجاد قوات دولية رمزية على حدودها، بحيث يعتبر أي اعتداء يجري ضدها اعتداء على كل الدول الضامنة لحيادها.
3) عدم تجريدها من القوة العسكرية ما لم تثبت فعالية الضمانات الدولية. 4) عدم تحولها إلى عائق أمام عالم عربي يسير نحو الوحدة عاجلاً أم آجلاً.
5) ضمان حدودها بعد إنهاء الصراع الحالي بما يضع حداً للخوف العربي من الاعتداء والتوسع.
6) تأمين حل لمشكلة اللاجئين، بتوطينهم في الضفتين الغربية والشرقية للأردن، وتسليم قطاع غزة (لإسرائيل)، بشرط اعتبار المائتي ألف عربي الذي يعيشون فيه كمواطنين متساويين مع الإسرائيليين.
أما المقالات الأخرى فقد استندت إلى قبول (إسرائيل) لقرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في سنة 1967، أساسا للتسوية، مع إضافة جملة “كما تفسره إسرائيل”، ومن ثم تحديد الشروط التالية:
1) التأكيد على أن كل تسوية يجب أن تشمل المسائل كلها دفعة واحدة، لا أن تكون تسوية على مراحل، وألا تكون هناك أية انسحابات من المناطق “المحتفظ بها” قبل التوصل إلى تلك التسوية.
2) إذا لم يتم ذلك، يجب التوصل إلى سلام بديل تلتزم بموجبه الدول العربية بإنهاء حالة الحرب، واحترام الحدود، ومنع أعمال الشغب وعلى (إسرائيل) أن تطالب بأن تكون هذه الحدود مفتوحة لحركة الأشخاص ومرور البضائع.
3) حرية الملاحة في خليج العقبة* وقناة السويس شرط للاتفاق.
4) نزع الصفة العسكرية عن المناطق، المحتفظ بها ما عدا القليل من التعديلات البسيطة في بعضها كاللطرون وقلقيلية* ويجري سحب قوات الأمم المتحدة الموجودة على جانبي الحدود بناء على اتفاق بين (إسرائيل) والدول العربية، ليستبدل بها إشراف إسرائيلي – عربي مشترك على المناطق، مما يشكل أو خطوة في التعاون العربي الإسرائيلي، مع ابداء الشك في استعداد العرب لذلك في المرحلة الأولى.
5) ترك مسالة غزة مفتوحة لأن هناك شكاً في رغبة مصر في العودة إلى حكمها، وتحمل مشكلة مائتي ألف لاجىء عربي. ويعني هذا إحالة المسألة إلى الأردن و(إسرائيل) لمعالجتها. وسيترتب على (إسرائيل) أن تفكر فيما إذا كان يجدر بها استيعاب هذا العدد الكبير من عرب غزة مقابل القبول بالقطاع.
6) مع الصعوبات التي يواجهها الموقف الإسرائيلي الرسمي بضم مدينة القدس، بسبب معارضة الدول العربية والدول الكبرى، يجب التأكيد على أهمية وحدة المدينة وفي حاتل وجود حاجة لإعلانها عاصمة (لإسرائيل) يمكن الاعتماد على القسم الجديد من المدينة، حيث لا شأن للعالم المسلم والمسيحي به، وعلى محاولة زيادة الأكثرية اليهودية في المدينة.
7) اعتبار منح اللاجئين حرية الاختيار بين العودة أو التعويض أكثر الحلول فاعلية. لأنه حل يؤيده العرب والأمم المتحدة والدول الشرقية والغربية. ولكن يجب أن تضاف إليه تحديدات عديدة، سواء أكانت من ناحية الإشراف الأمني أم من ناحية إمكانية الاستعياب الاقتصادي في (إسرائيل). واقتراح منح الذين يفضلون العيش في الدول العربية تعويضات مالية كبيرة.
8) الحصول على ضمانات فعلية وذات أهمية – من قبل الدولتين العظمين، أو الدول الكبرى الأخرى، أو مجلس الأمن – من أجل سلامة الحدود المرسومة وقيام السلام، والتأكيد على أهمية انقسام الاتحاد السوفييتي إلى تلك الضمانات لأنه مزود السلاح الأساسي إلى العالم العربي.
9) قيام اتفاق دولي حول تزويد دول الشرق الأدنى بالسلاح والذخيرة.
وقد انتهى مشروع غولدمان، كغيره من مشروعات التسوية قبل حرب 1973*، إلى ملفات النسيان.
المراجع:
- مؤسسة الدراسات الفلسطينية: الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1970، بيروت 1974.
- Foreign Affairs, Vol.48.No3.1970.
Nahum Goldman Autobiographie, Paris 1971.