فقيه شافعي من المشاهير ولد في بيت المقدس. وبعد أن درس فيها وتفقه على سلامة بن جماعة الضرير ونصر المقدسي حتى برع توجه إلى بغداد فدرس على الخطب البغدادي. وعاد إلى القدس* فلم يمكث طويلاً فيها بل توجه إلى مصر بعد سنة 470هـ وقرأ على كبار علمائها كابن الخصاف الخلعي وأبي اسحق الحبال. ولكنه لم يعد بعد ذلك إلى بلاد فلسطين بل بقي في مصر يعمل ويدرس حتى غداً من أفقه الفقهاء فيها.
ويبدو أن الرجل كره العودة إلى الشام. فقد شهد في فترة شبابه فيها تحولها من الحكم الفاطمي سنة 465هـ (رَ: الفاطميون) إلى أيدي الترك السلاجقة، وشهد ما جرته على البلاد من البلاء والدمار هذه المجموعات البدوية الغازية التي تسلمت مقاديرها بالقوة (رَ: السلجوقيون). وما أصاب القدس بخاصة، وفلسطين بعامة، سنة 469هـ من الذبح والنار في هجمة أتسز بن أوق الخوارزمي* التي قتل فيها في القدس ثلاثة آلاف إنسان، ونهب فيها من الأموال ما لا يحصى، فبيعت الفضة كل خمسين درهما بدينار وكان كل ثلاثة عشر درهماً بدينار. ثم عطف على الرملة* فلم يجد بها أحداً، وجاء غزة* فقتل كل من فيها ولم يدع بها عينا تطرف، ثم نهب ريف العريش وحاصر يافا* وهدم سورها.
لعل هذه الصورة هي التي أبقت الفقيه المقدسي في مصر حتى صارت له مدرسة كاملة من التلاميذ، وعليه قرأ أكثر فقهائها في القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، ومنهم القاضي الزبير والنسفي وغيرهما. وكان الحكم الفاطمي الشيعي في مصر قد بلغ حالة من الضعف لم يكن يستطيع معها مكافحة الأجواء القائمة المرتبطة بمذهب السنة لدى الناس أو تحويلها. وقد مهد ظهور تلاميذ سلطان وأمثاله إلى تحول الحكم في مصر إلى المذهب السني في صمت ودون أية مقاومة مصرية حين أسقط صلاح الدين الأيوبي* الخلافة الفاطمية سنة 567هـ/1171م.
لهذا الفقيه بعض المؤلفات الفقهية، وقد امتد به العمر حتى شهد احتلال الصليبيين لفلسطين ونضال المسلمين السنوات الطوال لاستردادها. أما وفاة سلطان فكانت في السنة التي سقطت فيها صور بيد الفرنجة*، وكانت آخر بلد من الساحل الشامي الجنوبي يسقط في أيديهم فيستكملون به احتلال البلاد فيما عدا عسقلان.
المراجع:
– الأسرى: الشافعية، ج2، بغداد 1971.
– ابن العماد الحنبلي: شعارات الذهب في أخبار من ذهب، القاهرة 1931.
– الحافظ الشافعي: العبر في أخبار البشر، الكويت 1960 – 1963.