في سنة 226هـ/841م، وقبل وفاة الخليفة العباسي المعتصم بالله بسنة واحدة، ظهر في فلسطين ومنطقة الغور* هذا الثائر، وكينه أبو حرب ولقبه المبرقع. وليس بعرف عنه شيء كثير قبل ثورته أو بعدها. وتفيد المصادر أنه يماني من أهل الغور، وأنه كان على جانب من الثقافة والعلم والتقوى. ولعله درس في طبرية* التي كانت ذات مركز علمي حسن في ذلك الوقت. وتذكر المصادر أنه خلع الطاعة لسبب شخصي، إذ ضرب بعض الجند زوجته في غيابه، فغضب وقتل الجندي، ثم هرب ثائراً، لكن تصرفه الثوري بعد ذلك يوحي بأنه كان يصدر عن عقيدة نذر لها نفسه، وأراد أن يكون جنديها المجهول، فجعل على وجهه برقعا لئلا يعرف (ولذلك عرف بالمبرقع)، ولجأ إلى جبل من جبال الأردن، وطلبته السلطات، فلم يعرف به خبر. وكان يظهر في النهار فيقعد على الجبل الذي أوى إليه مبرقعاً، فيراه الناس، فيجتمعون إليه، فيذكرهم، ويحرضهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويذكر السلطان وما يأتي من الأفعال فيعيبه. وقد توجه بدعوته إلى الفلاحين والفقراء. وكانت المنطقة التي ثار فيها سهولاً وهضاباً زراعية وقرى يعيش فيها حراثون أغلبهم يمانيون في السبب تتخللهم جماعات قيسية في الجولان* وفي البلقاء خاصة، وفيهم، ولا سيما في بيسان والرملة* وسهول طبرية، أخلاط من السكان الأصليين (وكانوا يسمون النبط). وكانت المنطقة ذات مورد زراعي حسن، فخراج جند الأردن (وهو الشمال من فلسطين والأردن اليوم) ينوف على مائة ألف دينار، وخراج جند فلسطين (وهو القسم الجنوبي من البلدين) ثلاثمائة ألف دينار (وهو يساوي خراج دمشق يومذاك).
ويظهر أن اهمال العباسيون للمنطقة وظلم الضرائب* سمحتا لدعوة أبي حرب بالتوسع، فاستجاب لها “قوم من الفلاحين وأهل القرى” من عرب لخم* وجذام* وعاملة* وبلقين. وكان يزعم أنه أموي، فقالوا: هذا هو السفياني المنتظر. ولما كثر جمعه من هذه الطبقة من الناس دعا أهل البيوتات، فاستجاب له جماعة من رؤساء اليمانية، وكانت دمشق في تلك الفترة نفسها ثائرة فاستجاب له بعض زعمائها. ثم التقت الثورتان وتحالفتا.
وكان الخليفة المعتصم عليلاً بعلته التي مات فيها سنة 227هـ/ 842م، وأقلقته الثورة جداً لما تحمل من تهديد أموي وانقطاع خراج فبعث بقائده رجاء بن أيوب الحضاري على رأس زهاء ألف من الجند. ولكن هذا القائد الذي استطاع هزيمة الثائرين في دمشق بالحيلة والمباغتة لم يجرؤ على منازلة المبرقع. فقد استخبر فوجده في عالم من الناس … كان في زهاء مائة ألف “فطاوله طويلا، ولما كانت ثورته فلاحية، ورجاله من أهل القرى فقد انتظر أشهر الصيف حتى جاء موسم عمارة الناس الأرضين وحراثتهم” في مطالع سنة 228هـ/ 843م، وانصرف الفلاحون الثائرون إلى أعمالهم، وبقي أبو حرب في زهاء ألف أو ألفين. فهاجمه القائد العباسي عند الرملة على ما يظهر في معركتين. وبالرغم من الفروسية التي أبداها المبرقع في الحرب فقد سقط أسيراً وقتل الكثير من أصحابه. ويسبق مع قائد ثورة دمشق ابن بيهس إلى العاصمة سامراء حيث سجنا في المطبق وأغلقت عليهما أبوابه إلى الأبد.
المراجع:
– الطبري: تاريخ الرسل والملوك، القاهرة 1939.
– ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق، دمشق 1951 – 1954.
– اليعقوبي: التاريخ، بيروت 1960.
– ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، القاهرة 1932.
التميمي: رَ: رقيق بن راغب التميمي
رَ: عبد الفتاح بن درويش التميمي
رَ: محمد بن أحمد بن سعيد التميمي
رَ: مصطفى بن عبد الفتاح التميمي