كان موقع فلسطين الجغرافي منذ أقدم العصور وما يزال ذا أهمية بالغة (رَ: الموقع). ذلك أن فلسطين ملتقى أكبر قارتين (آسيا وافريقيا) وصلة وصل بين أوروبا والشرق وملتقى البحر المتوسط مهد الحضارات بالبحر الأحمر وحلقة الاتصال بين مشرق الوطن العربي ومغربه. وبلغت فلسطين بفضل موقعها الجغرافي مكانا رفيعا من الازدهار منذ عهد المدنيات الأولى التي يزغ فجرها في وادي النيل وما بين النهرين (دجلة والفرات)، فهي الطريق التجاري الذي كانت تعبره القوافل بين الشرق والغرب زمن السلم والميدان التي كانت تلتقي فيه الجيوش المتصارعة زمن الحرب. وتستقل شواطئها السفن من بلدان البحر المتوسط وتصدر عنها منتوجات الشرق إلى الغرب على الرغم من أن معظم هذه الشواطىء رملي قبيل التعاريج. وأنه ليس في هذه الشواطىء موانىء طبيعية صالحة لرسو السفن ولا فيها من الرؤوس الا اثنان. رأس الناقورة* في أقصى الشمال ويرتفع قرابة 85 م عن سطح البحر مكوناً الحد الشمالي لفلسطين فاصلاً إياها عن لبنان، ورأس الكروم إلى جنوبه عند الطرف الجنوبي لخليج عكا*، وتقوم عليه مدينة حيفا*. ويقال مثل ذلك في الخلجان. فليس هناك إلا خليج عكا الواقع بين هذا الميناء وميناء حيفا والبالغ طوله 24 كم، والا تجويف بسيط إلى جنوبه قرب عتليت*. وبذا يمكن القول ان الموانىء الطبيعية لم تكن ذات أثر يذكر في ما بلغته البلاد من تفوق عمراني وازدهار تجاري جعلاها مطمح الفاتحين في جميع العصور، وان الأهمية الكبرى كانت، وما تزال، لموقع البلاد معبراً بين قارات ثلاث، الأمر الذي أكسب مدنها الساحلية شأناً كبيراً عبر القرون.
فمنذ الألف الثالث قبل الميلاد أسس الكنعانيون عدة موانىء هي:
1) ميناء عكا، وقد دعوا المدينة، “عكو” وجعلوها مركزاً تجارياً هاماً يصدرون منه المصنوعات الزجاجية وأصبغة الأرجوان.
2) حيفا التي لم تكن سوى قرية متواضعة، الا أن أهميتها تكمن في موقعها الطبيعي الرائع على رأس جبل الكرمل* وسفوحه والطرف الجنوبي من خليج عكا، الأمر الذي جعلها منفذاً طبيعياً للسهل الساحلي* ومرج ابن عامر*.
3) عتليت الواقعة على بعد 16 كم إلى الجنوب منها.
4) الطنطورة* على بعد 30 كم جنوبي حيفا، وقد دعوها (دور)، أي مسكن، واتخذوها مركز تجارياً هاماً بين مصر وفلسطين.
5) قيسارية*.
6) أرسوف*.
7) يافا *، وما اسمها الحالي إلا تحريف لاسمها الكنعاني “بافي” الذي يعني الجميل.
8) أسدود* التي تبعد 5 كم عن شاطىء البحر، ومعناها (حصن) أو (قوة).
9) عسقلان*.
10) غزة* ذات الموقع التجاري الهام لكونها على حافة الأراضي الخصبة العذبة المياه التي تأتي مباشرة بعد صحراء سيناء.
فقد كانت أول محطة هامة للقادمين من مصر إلى ديار الشام، وللقوافل القادمة من شبه جزيرة العرب والعائدة إليها. وكانت منفذا لمنتوجات بلاد العرب والهند إلى بلدان البحر المتوسط (رَ: الطرق).
أما الموانىء التي اشتهرت زمن الفتوحات المصرية الفرعونية (زمن تحتمس الثالث* وسيتي الأول في القرنين الخامس عشر والرابع عشر قبل الميلاد) فكانت عكا ويافا وغزة. وعندما نزلت احدى القبائل الكريتية (رَ: الفلسطينيون) في الجزء الجنوبي من الشاطىء الفلسطيني في القرن الثالث عشر قبل الميلاد عظم شأن موانىء أسدود وعسقلان وغزة. ثم خضعت جميع الموانىء الفلسطينية للحكم الأشوري فالكلداني فالفارسي. وفي هذه الحقبة عظم شأن الطنطورة فأصبحت في القرن السابع قبل الميلاد قاعدة “ولاية فلسطين” وكذلك ازدهرت يافا وأرسوف.
وبعد اجتياح الاسكندر المقدوني واستيلائه على جميع الديار السورية خضعت له ولحلفائه من بعد موانىء فلسطين واصطبغت الثقافة والعادات ومختلف نواحي العيش بالصبغة اليونانية. وبرز ذلك كثيراً في ميناء التي أنشئت فيها دار لسك النقود. وعرفت أسدود في هذا العصر الذي دعي “بالعصر الهلنستي”* باسم “أزوتس”، وقامت أهوالاً كثيرة زمن احتدام القتال بين البطالمة* والسلوقين*، وزمن الثورة اليهودية اذ هدمها اليهود وأحرقوها. وكانت عسقلان في هذا العصر حصناً مكيناً من حصون الوثنية فقاومت دخول المسيحية* بضراوة.
أما قيسارية التي كانت تدعى “برج استرتون” فأصبحت بعد الاحتلال الروماني في القرن الأول قبل الميلاد ميناء فلسطين الأول.
وقد قام هيرودس الكبير الادومي عامل الرومان على فلسطين بتحديدها وتوسيعها وتنظيمها على نمط المدن الرومانية الأصلية، ومكث 12 عاماً يشيد فيها القصور والمسارح والهياكل والملاعب ويقيم التماثيل الضخمة، وعزز ميناءها بانشاء سد في البحر جعلها فضلا عن كونها ميناء فلسطين الأول أعظم مركز حربي للأسطول الروماني، ودعاها”قيصرية” نسبة إلى أغسطس قيصر امبراطور روما عام 10 ق.م. وقد أنشئت فيها مدرسة للحقوق تحولت بعد انتشار المسيحية إلى مدرسة لتدريس اللاهوت والفلسفة والمنطق والفلك والهندسة.
أما عكا فدعيت بعد الاسكندر الكبير “عولمايس” نسبة إلى الملك بطليموس الثاني (فيلادلفوس) وغلبت عليها الصبغة اليونانية كيافا وقيسارية في جميع مرافق الحياة، وأصبحت ملتقى الحضارتين اليونانية والآسيوية. وفي العهد الروماني زاد نموها التجاري وبلغت شهرتها في نسج الحرير ومصبغة بالأرجوان الأوج بعد أن صدرته إلى جميع أنحاء الامبراطورية الرومانية. وقد غدت كذلك أهم الموانىء الفلسطينية في تجارة السمك والمنتوجات البحرية الأخرى. وبعد انتشار المسيحية وزيارة الحواري بولس* لعكا أصبحت مركزا لأبرشية مسيحية. وأما أرسوف فدعيت في هذا العهد “أبولونيا”.
ولم يكن لهذه الموانىء شأن كبير في العهد البيزنطي. وفي عهد الفتوحات العربية الاسلامية بين عامي 13هـ/634م و19هـ/ 640م تم الاستيلاء على جميع هذه الموانىء وبنى معاوية بن أبي سفيان* في ميناء عكا أول أسطول بحري عربي غزا به قبرص ورودس (رَ: معاوية، أسطول). وبذلك أصبحت عكا الميناء الأول في صناعة السفن عد الاسكندرية، كما أصبحت لها شهرة فائقة بالاتجار بالزيت والسكر بعد انتشار زراعة الزيتون* والقصب في سهلها. وزاد ميناؤها شهرة في أواخر القرن التاسع الميلادي بعدما أنشأ فيها أحمد بن طولون* قاعدة بحرية ومرفأ فريداً من نوعه ابتاه له أبو بكر البناء* فأصبحت بذلك أمنع وأفضل موانىء فلسطين. وبقيت كذلك زمن الأخشيدين والفاطميين* في القرنين العاشر والحادي عشر الميلادين. كما كان لها القدح المعلى من الشهرة في العهد الصليبي. فلم يتمكن الصليبيون من السيطرة عليها إلا عام 497هـ/1104م، أي بعد استيرئهم على القدس* بخمس سنوات، وذلك بعد العون الكبير الذي تلقوه من أساطيل جنوه وبيزا (رَ: الجنويون) و(رَ: اليبازنة)، وكانوا قد استولوا قبل ذلك على موانىء حيفا وعتليت والطنطورة وأرسوف ويافا (رَ: الفرنجة). وقد استولوا على الأخير قبل احتلالهم القدس عام 1099م بنحو شهر فكان أول منفذ لممتلكتهم اللاتينية. وقد حصنوا المدينة وأصلحوا ميناءها فأصبحت، بالإضافة إلى كونها مركزاً حربياً، مركز نشاط تجاري بسبب وفود الحجاج والزوار إليها في طريقهم إلى القدس.
بعد انتصار صلاح الدين الايوبي* على الصلبيين في معركة حطين* 583هـ/1187م فتح عكا وحيفا وقيسارية وأرسوف ويافا وقام بهدم أكثر خصومتها وأسوار موانئها خشية أن يعود الصليبيون إلى استخدامها قواعد لمهاجمة جيوشه. ولما أعاد الصليبيون الكرة واستعادوا هذه الموانىء شرعوا يعمرونها ويحددون تحصيناتها، ولا سيما ميناء عكا التي عادت إلى سابق عهدها من الازدهار التجاري والعمران الكبير والمتعة حتى دعيت “قسطنطينية الفرنج”. ولما قام الأشرف خليل بن قلاوون* باجلاء الفرنج عن جميع مواقعهم عام 1291م هدم أسوار هذه الموانىء وحصونها. وقد أصبحت جميعها في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلادين بلدتا متواضعة، حتى كان دخول العثمانيون فلسطين عام 1517 م فاستردت وبعض أهميتها التجارية السابقة.
قام الفرنسيون بتأسيس مركز تجاري لهم في عكا باذن من السلطان العثماني. ولكن المدينة لم تسترد أهميتها الا بعد أن جعلها ظاهر العمر الزيداني* عاصمة له عام 1163هـ/1750م وجدد أسوارها وحصونها وأنشأ فيها الأسواق والخانات فعادت تصدر منتوجات شمالي من قطن وحرير وقمح* إلى بلدان البحر المتوسط. وأعاد ظاهر العمر لحيفا أيضاً أبراجها وحصونها. وبلغت عكا ذروة عظمتها في عهد خلفه أحمد الجزار* الذي أقام لها سورين وجر إليها المياه من نبع الكابري* وبنى فيها المسجد والحمام الذين حملا اسمه وبلغا درجة عظيمة من الفخامة بعد أن جلب إليهما الأعمدة ولوحات الرخام من قيسارية. وصار لعكا في عهده شأن كبير باعتبارها أعظم الموانىء على الساحل الفلسطيني. واشتهرت في التاريخ بثباتها أمام حملة نابليون على الشرق وقفها عام 1799م (رَ: الحملة الفرنسية). وأصبحت موانىء فلسطين كلها تابعة لسلطة الجزار، كما صارت جميعا تحت سيطرة ابراهيم باشا من عام 1832 إلى وقت انسحابه من سورية عائداً إلى مصر عام 1840 (رَ: الحكم المصري).
أخذت تجارة عكا بالتقهقر بعد وصل بيروت بدمشق بخط حديدي عام 1895م. وشرعت مدينة حيفا تحل محلها تدريجياً، لا سيما بعد اتصال حيفا بخط حديدي بمدينة درعا (سكة حديد الحجاز) عام 1904، ثم بمصر في الحرب العالمية الأولى (1914- 1918). وظلت حيفا تتقدم وتتنمو بسرعة حتى وصلت إلى الذروة بعد انشاء موقفها الذي جعلها ثالث موانىء البحر المتوسط عام 1933، وبعد أن أصبحت مصبا لبترول العراق ومركزاً لتكريره.
أما يافا فقد أعاد العثمانيون تحصينها وبناء ما دمر من أسوارها. إلا انها ما لبثت أن انهارت ثانية بسبب الحروب الطاحنة التي كانت رحاها قد دارت بين بين مماليك مصر وظاهر العمر الزيداني فاحتلها والي مصر محمد بك أبو الذهب* بعد مجزرة شبعة فضت على الغالبية العظمى من سكانها، كما فعل نابليون اثر اندحاره وانسحابه جنوباً عائداً إلى مصر. واستمرت تابعة لعكا في عهد خليفة الجزار سليمان باشا العادل فولى عليها أبا نبوت الذي رسم أسوارها وأبراجها وزودها بالمدافع وشاد فيها كثيراً من الأبنية فعاد إليها بعض ازدهارها القديم. وقد وقعت تحت سيطرة ابراهيم باشا شأن غيرها من الموانىء الفلسطينية. واستمرت في التقدم، ولا سيما بعد وصلها بالقدس بخط حديدي عام 1892م، فأصبحت أول الموانىء الفلسطينية تجارة وعمراناً على الرغم من تعرض موقفها للأنواء الشديدة. وقد احتلت المرتبة الثانية بين الموانىء الفلسطينية بعد انشاء مرفأ حولها عام 1933.
وكانت غزة في العهد الصليبي محطة لمرور سلاطين الممالك أثناء حملاتهم على الصليبيين. وفي العهد العثماني تضاءلت أهميتها كميناء فاستحالت قرية متواضعة تابعة لظاهر العمر الزيداني والجزار ومن أتى بعدهما من الولاة، وزاد من تقهقرها التجاري في القرن التاسع عشر فقدانها طريق الحج الذي كان يصلها بالعقبة اذ أصبح الحجاج المصريون يؤمون الحجاز عن طريق السويس بدلاً من العقبة. وبعد زوال عهد الانتداب البريطاني سنة 1948 بقيت تحت الادارة المصرية حتى عام 1956. ورزحت تحت نير الاحتلال الاسرائيلي نحو عام عادت بعده إلى الادارة المصرية. ولما كان عام 1967 عادت مرة أخرى إلى السيطرة الصهيونية، شأنها في ذلك شأن جميع الموانىء الفلسطينية.
المراجع:
- مصطفى مراد الدباغ : بلادنا فلسطين، بيروت 1965- 1974.
- قسطنطين خمار: جغرافية فلسطين المصورة، بيروت 1967.
- أ. س. مرمرجي: بلدانية فلسطين العربية، بيروت 1948.
- فيليب حتي: تاريخ سورية ولبنان وفلسطين (مترجم)، بيروت 1958.
- حسين روحي: المختصر في جغرافية فلسطين، القدس 1923.
- محمد أديب العامري: عروبة فلسطين في التاريخ، بيروت 1972.
- G.A.: Historical Geography of the Holy Land, London 1896.
- Hadawi, S.: Village Statistics 1945,Beirut 1970.
مؤتمر: رَ: الامة الاسلامية الفلسطينية.
رَ: أنشاص
رَ: بلودان (1937)
رَ: بلودان (1946)
رَ: بيروت (1939)
رَ: التفاهم
رَ: جدة
رَ: سان ريمو
رَ: السلام للشرق الأوسط
رَ: الشباب العربي الفلسطيني
رَ: شفا عمرو
رَ: الطلبة
رَ: علماء فلسطين
رَ: غزة
رَ: القاهرة (1948)
رَ: القمة العربية
رَ: الكهنة الأرثوذكس العرب
رَ: لجان الطلبة
رَ: لندن( 1920)
رَ: لندن( 1939)
رَ: لندن (1946)
رَ: مدريد للسلام (1991)
رَ: نابلس (1931)
رَ: يافا