هو أحد الأجهزة المنفذة للسياسة البريطانية في الشرق العربي خلال الحرب العالمية الأولى. وقد أسسته الحكومة البريطانية في شهر شباط سنة 1916 ليكون جهازا مستقبلا في دار المندوب السامي البريطاني في القاهرة عندما وصلت الحرب إلى مرحلة هامة، وأوكلت رئاسته إلى البريغادير جنرال جلبرت كلايتون رئيس قلم الاستخبارات المدنية والعسكرية للقيادة العامة للقوات البريطانية في مصر.
ضم المكتب مجموعة من الخبراء في شؤون الشرق العربي بمن كانوا يعملون في دائرة الاستخابارات في القيادة العامة البريطانية، ومن الموظفين السياسين في دار المندوب السامي، ومن الرحالة وعلماء الآثار* والمستشرقين والضباط. وكان هؤلاء ذوي خبرة ومهارة في فنون الدبلوماسية الشرقية تعرفوا على المنطقة العربية عن كثب قبل الحرب وادعوا صداقة العرب وعمل بعضهم مستشارين لقوات الثورة العربية، ومن أبرزهم هوغارت ويونغ ولورننس وأورمسبي غور.
كان المكتب العربي يتصل اتصالاً مباشراً بوزارة الخارجية ووزارة الحربية البريطانيتين، وكان أفراده يعملون بالتنسيق مع الدوائر البريطانية الأخرى في مصر كالاستخبارات والقيادة العامة ودار المندوب السامي. وقد تولى المكتب منذ انشائه وضع تقارير عن المنطقة العربية توضح الصورة أمام مخططي السياسة البريطانية في الشرق. وبدأ منذ حزيران 1916 يصدر نشرة ملحقة سرية لمعالجة الأحداث السياسية في البلاد العربية سميت أول الأمر “ملخصات المكتب العربي Arab Bureau Summaries” ثم سميت بعد العدد السادس “النشرة العربية ِِِِِ Arab Bulletin”.
وكان طبيعيا أن تحتل مسألة فلسطين مكانا بارزا في تقارير المكتب وأعداد نشرته السرية بسبب موقعها وأماكنها المقدسة وتداخل مصالح معظم الدول المشتركة في الحرب فيها وحرص بريطانيا على ألا تسمح لأي دولة قوية أخرى بالوجود على الشاطىء الشرقي لقناة السويس، ولان الاستيطان الصهيوني في فلسطين كان يشكل جزءا من السياسة البريطانية في الشرق، ولأن فلسطين أصبحت المنطقة التي يجب أن توجه منها بريطانيا الضربة الأخيرة للدولة العثمانية.
تناولت تقارير المكتب وموضوعات نشرته السرية عدد من القضايا التي تتعلق بالمسألة الفلسطينية قبل اصدار وعد بلفور* لرسم صورة واضحة أمام الحكومة البريطانية التي كانت تتفاوض مع الصهيونيين، وبعد الوعد لرصد ردود الفعل العربية عليه.
أ- الموضوعات قبل وعد بلفور:
1) عمليات التجسس الصهيوني: كشفت أوراق المكتب العربي النقاب عن شبكة تجسس اسمها “مجموعة نيلي Nili” نظمها مدير مركز التجارب الزراعية في عتليت* أرون أرونسون الذي عهدت اليه السلطات العثمانية مكافحة الجراد سنة 1915، وكان مركزها في مستعمرة زخرون يعقوب في فلسطين. وقد استفاد أرونسون من صلاته برجال الاستخبارات والمكتب العربي ليكسبهم إلى جانب القضية الصهيونية. ومن أبرز هؤلاء كلايتون وأورمسبي غور (الذي أصبح في عهد الانتداب وزيراً للمستعمرات) واللنبي ووينجت. وبعد رحيل أورنسون تولت شقيقته شؤون الشبكة وظلت تدبرها إلى أن كشف أمرها في خريف 1917. وتشير مذكرة للمكتب العربي بتاريخ 5/2/1917 إلى أن الهدف السياسي من تقديم الصهيونيين خدماتهم للقوات البريطانية في العمليات ضد الأتراك في فلسطين هو جعل هدف الخدمات أساسا لادعائهم بحقهم في “الوطن القومي” وسببا للقول بأنهم شاركوا في عملية تحرير البلاد.
2) النشاط الصهيوني في فلسطين: تحدثت تقارير المكت العربي عن النشاط الصهيوني قبل الحرب في مجالات الاستيطان وتملك الأراضي والتدرب على الأساليب الزراعية والمساعدات الخارجية للمستعمرات وغير ذلك. واذا كانت تلك التقارير قد أجمعت على وصف معاناة جميع فئات الشعب في سورية فانها أكدت أن أوضاع اليهود كانت أفضل من أوضاع أي فئة أخرى. وأشارت إلى أن النشاط الصهيوني لشراء الأراضي وانشاء المستعمرات لم يتوقف خلال الحرب. وتفسر تقارير المكتب العربي هذا الوضع المتميز لليهود وتنسبه إلى الاهتمام الأمريكي بهم (كان آخر ثلاثة سفراء للولايات المتحدة الأمريكية في العاصمة العثمانية يهودا صهيونيين)، وإلى وجود أصدقاء للصهيونيين من يهود سالونيك والدو نمة في البلاط العثماني. وقد تحدثت نشرة المكتب العربي عن ميول هؤلاء اليهود المتصدين إلى الألمان، وعن دورهم في تطوير الحركة الطبورانية. وقد حاولت الدوائر الصهيونية الموالية للحلفاء (كما تشير مذكرة المكتب العربي في 25/2/1917) نفي أي صلة للصهيونيين بألمانيا، بل اتخذت من اهتمام ألمانية – الصهيونية سببا للتأثير في الحكومة البريطانية لحثها على الاسراع في منح تأكيدها العطف على الأماني الصهيونية.
3) مستقبل فلسطين: أكد المكتب العربي في مذكراته أن دعم الحلفاء للاستيطان الصهيوني في فلسطين سيجعل الصهيونية تميل إلى جانب الحلفاء في الحرب. وعلى الرغم من الادعاء الصهيوني بامكانية العيش بانسجام بين العرب واليهود فان الهدف الحقيقي منه كان الاستثار بالبلاد. وتقول نشرة المكتب بتاريخ 15/1/1917: “ان غالبية الصهيونيين العظمى ما تزال ترى الاستقلال الذي هدفا بعيدا، وان ما يبحثون عنه هو سياسة الباب المفتوح، والحصول على أكبر قدر ممكن من الأراضي في فلسطين، واستيطانها، ثم التقدم بعد ذلك، بأساليبهم الزراعية المتطورة، وسندهم المالي، وشعورهم القومي، وكرم الدولة الحامية، نحو الوصول إلى الهدف السياسي النهائي”.
4) عرب فلسطين والثورة العربية: بينت تقارير المكتب العربي اسهام العرب في الحرب ضد العثمانين، وتحدثت عن نشاط الأهالي حتى في المناطق التي ليس فيها مستعمرات يهودية، ووصفت ما تعرض له بعضهم من اضطهاد عثماني نتيجة ذلك. وقد كان الجيش البريطاني حريصا على كسب الرأي العام في فلسطين فوزع منشورات تولى صياغتها المكتب العربي، وكانت تدعو للشريف حسين وتوضح أنه يعمل بالتعاون مع الجيش البريطاني. وقد أدى ذلك الى اتهام الصهيونيين بعض العاملين في المكتب العربي بدعم قضية القومية العربية، وإلى لوم بريطانيا على سياستها الخطرة في تبني الثورة العربية،لأن هذه السياسة بعثت في الفلسطينيين حلما في أن يصبحوا جزءا من المملكة العربية المستقلة.
5) المقاومة العربية الصهيونية في فلسطين: لم تكن الحكومة البريطانية تجهل المعارضة العربية للصهيونية. وقد حاولت أن تحول دون اجراء بحث لموضوع الصهيونية أثناء سنتي الحرب فبعث مدير الاستخبارات العسكرية البريطانية تعليماته إلى كلايتون رئيس المكتب العربي (21/11/1916) طالبا منه التدخل لدى أصدقائه العرب – “وفيهم الشريف – بتحذير خطير وشخصي للامتناع عن الحوض في هذا الموضوع الخطر، لأنه سيشير عداء القوى الحيادية الآن”.
وقد جمع العاملون في المكتب العربي المعلومات عن مدى المعارضة العربية للنشاط الصهيوني قبل الحرب وظروفها ودوافعها لوضعها أمام الحكومة البريطانية التي كانت تتفاوض مع اللجنة الصهيونية أواخر 1917 عشية اصدار وعد بلفور. وقد عزت مذكرات المكتب أسباب المعارضة العربية إلى أهداف الصهيونية في تأسيس دولة يهودية مستقلة ذاتيا واقصاء سكان فلسطين تدريجياً. وبينت أن العرب يقاومون نمو المستعمرات اليهودية المتزايد في العدد والنفوذ، وشراء الأراضي وتجريد السكان من ممتلكاتهم. وقد أدى ذلك إلى تكوين جمعيات لمقاومة الاستيطان الصهيوني.
ب- الموضوعات بعد وعد بلفور:
1) ردود الفعل الأولى على وعد بلفور : كانت مهمة المكتب العربي، شأنه شأن سائر الدوائر البريطانية في مصر، ألا يتأثر التحالف العربي – البريطاني في وقت لم تكن القدس* فيه قد وقعت بعد بيد القوات البريطانية. وقد وضع المكتب مجموعة من الاقتراحات بشأن الخطوط العامة للسياسة البريطانية في الشرق تكفل تهدئة شكوك العرب، ورأى ألا تعطى امتيازات أخرى للصهيونية لأنه من الخطر الآن ينسب الموقف العسكري أن يسمح باستيطان يهودي في فلسطين.
2) السياسة التوفيقية بين العرب والصهيونيين: على ضوء معلومات المكتب العربي وضع مارك سايكس مستشار الشؤون الشرقية للحكومة البريطانية خطوط السياسة المناسبة لانقاذ الموقف، وتشخص هذه الخطوط في أن المنطقة تتسع للقوميتين العربية واليهودية. وقد طلب من كلايتون ابراز أهمية التعاون بين العرب واليهود والسعي إلى التأثير على العرب، ولا سيما الزعامة السورية في القاهرة. ولكن كلايتون ورجاله لم يكونوا، على الرغم من تنفيذهنم هذه السياسة، متفائلين مطمئين الى نجاحها،بل كانوا يتخوفون من حدوث ما يؤثر في علاقات العرب بالحلفاء بعد أن ترك. وعد بلفور أثراً كبيراً في الأوساط العربية. وهذا ما دفع كلايتون إلى التحفظ تجاه اقتراح وزارة الخارجية ارسال بعثة صهيونية (11/12/1917) بعد احتلال القدس واستعجال الصهيونيين تنفيذ وعد بلفور.
3) التأثير على الشريف حسين: سعت الخطة البريطانية إلى ضمان قبول الشريف حسين وتأييده فأرسل اليه المستشرق هوغارت أجندر رجال المكتب العربي لاقناعه ودفعه الى ابداء موافقته على السياسة البريطانية بشأن فلسطين. ولكن موقف الحسين لم يكن مشجعا في رأي كلايتون. وعلى الرغم من أنه كان يرى وجوب ابقائه على المسرح فقد بدأ يركز اهتمامه على فيصل ويحث لورنس على بذل الجهود لحمله على الاتفاق مع اليهود بحجة أنها فرصته الوحيدة لجني شعار الحركة العربية.
4) الدعاية في أوساط شعب فلسطين: أنشأت بريطانيا ادارة مستقلة لفلسطين عن مصر، وأوكلت إلى كلايتون مهمة الضباط السياسي الرئيس للجنرال اللنبي على أن يتلقى التعليمات في الأمور المتعلقة بالسياسة في فلسطين من وزارة الخارجية مباشرة. وطلبت منه تأسيس فرع للمكتب العربي في فلسطين واساد ادارة مكتب القاهرة إلى “كورنواليس”. وقد بين كلايتون في أول تقاريره من القدس (4/2/1918) صعوبة التوصل إلى التعاون بين العرب واليهود.
5) البعثة الصهيونية: وصلت البعثة إلى الاسكندرية في 2/3/1918 برئاسة وايزمان. ورافقها أورمسبي غور من المكتب العربي ممثلا للحكومة البريطانية. وقد أشارت نشرة المكتب إلى التخوف الذي أثارته اللجنة في نفوس الزعماء السوريين في مصر وصعوبة مهمة المسؤولين البريطانين لتهدئة هذا التخوف.
ونقلت النشرة أثناء وجود البعثة في مصر وقبل انتقالها إلى فلسطين رسائل هوغارت من القدس وكانت تصور القلق العربي والموقف العدائي للصهيونية، الأمر الذي دفع الى تشكيل الخدمات الاسلامية – المسيحية*. وصورت النشرة كذلك الانطباع السلبي الذي أحدثته البعثة الصهيونية بعد وصولها إلى يافا في 4/4/1918 ومخاوف العرب المتزايدة من الصهيونية.
6) اقتراحات المكتب العربي بشأن الادارة العسكرية في فلسطين. شكا وايزمان مراراً إلى وزير الخارجية البريطانية بلفور من المصاعب التي تواجهه بعثته من الادارة العسكرية المحلية. فهي لا تتلاءم في نظره مع الخطط الصهيونية. ولتوضيح الموقف قدم كلايتون إلى بلفور تقريراً وافياً عن الوضع الراهن في فلسطين (16/6/1918) قال فيه: “إن وجود البعثة الصهيونية بجد ذاته دليل على الدعم المقدم إلى الحركة الصهيونية”. وقد أرجع العداء العربي الصهيوني إلى عوامل اجتماعية واقتصادية إلا إلى شعور قومي. وعرض برنامج العمل المقبل في فلسطين لصالح الصهيونية واقترح ألا يتقيد كثيرا بقوانين وأعراف الحرب التي تقضي بالحفاظ على الأوضاع الدائمة في الأراضي المحتلة، لأن ذلك سيؤدي إلى خيبة أمل الصهيونيين، وقد يؤدي إلى رحيل البعثة الصهيونية. وقد اقترح بالمقابل منح السلطات المحلية قدرا محدودا من حرية العمل لادخال تغيرات بسيطة ترضي الرأي العام الصهيوني ولا شيء إلى مشاعر الطوائف الأخرى.
وبحث كلايتون في تقاريره مقترحات البعثة الصهيونية فلم ير مانعا من انشاء الجامعة العبرية. وتحفظ بشأن المشروع الصهيوني للزراعة 250 ألف هكتار من أراضي الدولة لأن تولي الصهيونيين أمره سوف يثير مخاوف السكان، واقترح للتغطية اعطاء المشروع صفة عسكرية. وتوقع كلايتون المصاعب بشأن ملكية حائط المبكى والأراضي المجاورة له (رَ: ثورة 1929). وتضح أخيرا بعدم توسيع المعاملة المتميزة لليهود، وباتباع أسلوب التمييز الحكيم والتوفيق الحريص بين مصالح جميع الفئات.
كان هدف رئيس المكتب العربي أن يبين لوزارة الخارجية المدى الذي يجب أن يبلغه تطوير السياسة الصهيونية في فلسطين في ذلك الوقت لكي تصدر أوامرها بخطوط هذه السياسة التي يجب على الإدارة المحلية في فلسطين اتباعها. وقد استجاب وزير الخارجية بلفور لهذه الآراء فجاءت رسالته (26/7/1918) في الرد على مطالب وايزمان متحفظة. وعلى الرغم من تقديره واعجابه وتعضيده للصهيونية فقد عد مسألتي الأراضي وحائط المبكى معقدتين لا يمكن البدء بهما.
7) لقاء وايزمان – فيصل: أشار تقرير المكتب العربي إلى وجوب توجيه الأنظار إلى منطقة الشرق حيث تعد قوات الثورة العربية الجناح الأيمن للقوات البريطانية، وتحدث عن ضرورة تدبير لقاء بين الحركة الصهيونية والقائمين على الثورة. وأكد كلايتون أن موقف ملك الحجاز والأمير فيصل المتعاطف سينجح كثيرا في تنسيق السياستين الصهيونية والعربية ويمنع انتقال شعور الاستياء من فلسطين إلى القوات المقاتلة ، وأن ذلك سوف يؤثر في المصالح البريطانية.
وقد تم تحديد سياسة البعثة الصهيونية تجاه الحركة العربية في مؤتمر حضره رئيس المكتب العربي كلايتون ومساعده، ولورنس، وأورمسبي غور، ووايزمان. وانطلقت تلك السياسة من ثلاث فرضيات: الأولى أن مركز الثقل في الحركة العربية هو مثلث مكة – دمشق – بغداد بعد أن ركزت الأضواء على فيصل). والنيابة أن المسألة الفلسطينية يمكن عزلها عند انشاء حلف سياسي مع قادة الحركة العربية في الشرق. والثالثة أن مسألة العلاقات والشعب الفلسطيني اقتصادية محض ويمكن حلها عند تحسن الأوضاع الاقتصادية.
وقد مهد كلايتون وهوغارت ولورنس من قبل لهذه السياسة لدى الحسين وفيصل. ووجد رجال المكتب العربي أنه من الأفضل الاتصال بفيصل وتهيئة لقاء بينه وبين وايزمان لضمان موافقته وتأييده وسعيه للتأثير في والده (رَ: فيصل – وايزمان، لقاءات).
ورافق أورمسبي غور وايزمان لزيارة فيصل في العقبة. وكان كلايتون قد قدم وايزمان إلى فيصل في رسالة وصفه فيها بأنه أحد زعماء الحركة الصهيونية وقد جاء لتنمية التعاون بين العرب واليهود. وقد تحصنت نشرة المكتب ما جرى في اجتماع فيصل ووايزمان في 4/6/1918، وتحدث رئيس المكتب في رسالته إلى وزارة الخارجية عت تفاؤله بنتائج المقابلة وما سيؤدي إليه من لقاء الحركتين العربية والصهيونية، الأمر الذي سيحل مشكلة الحكومة البريطانية في تنفيذ وعودها للطرفين. واقترح تدبير لقاء مشابه مع الحسين لافهامه مدى تأثير البرنامج الصهيوني الايجابي – رغم كرهه اياه – في اآمال العربية في سورية، وللحصول منه على اعتراف – بالأماني الصهيونية في فلسطين مقابل الاعتراف به زعيما للحركة العربية.
8) اشتداد المعارضة العربية للصهيونية: على الرغم من جميع وسائل الدعاية التي استخدمتها السلطات البريطانية للحديث عن فوائد الاحتلال البريطاني لفلسطين فقد اتسعت المعارضة العربية للصهيونية واشتدت. وأكدت تقارير المكتب العربي صعوبة الموقف مع اقتراب العمليات العسكرية من نهايتها، وتحدثت عن التعقيدات الشائكة التي أضافتها إلى أوضاع المشرق سياسة الحلفاء الصهيونية. وقد قال هوغارت في مذكرة له (2/8/1918): “لا يمكن توقع قبول الغالبية غير اليهودية للتغلغل الصهيوني أو قبول المعاملة التفضيلية”، ولهذا يرى أن “التعهدات البريطانية للصهيونيين يجب فرضها بالقوة”. وتحقق كلايتون من أن كل المغريات لم تعدل موقف المسلمين بشأن ملكية حائط المبكى، ورأى أن هناك خطرا كبيرا في التقدم خطوة أخرى فيما يتعلق بهذه المسألة، وأن قضية المفاوضات للتوفيق بين المصالح العربية والفرنسية في سورية أكثر الحاحا، وأن الوقت لم يحن بعد لأي نشاط صهيوني خاص ما لم يحدد وضع البلد وبشكل ادارته النهائي. ونصح بأن يتجنب الصهيونيون اثارة مخاوف العرب بنشر تصريحات طائشة ومطالب متطرفة كثر العداء وتؤثر في نجاحهم. ولم يكن تخوف كلايتون حرصا على المصلحة العربية بل لأن عدد اليهود في فلسطين لم يكن يتجاوز آنذاك 66 ألفا مقابل 573 ألفا من “غير اليهود”، ولأن الصهينيون لو تقدموا بالقوة لقام مشروعهم على أساس غير راسخ.
في مطلع تشرين الأول 1918 دخل اللنبي دمشق للقاء فيصل وابلاغه الترتيبات العسكرية الادارية المؤقتة التي اتخذته القيادة العاملة بشأن ادارة أجزاء سورية. وكان كلايتون، الضابط السياسي الرئيس في مقر القيادة العامة والمشرف على المكتب العربي في القدس، وكورنواليس، مدير المكتب العربي في القاهرة، يرافقانه.
وبعد الحرب احتفظ الأول بمنصبه في مقر القيادة العامة وأصبح الثاني ضابط الارتباط البريطاني في الشرق. وأما المكتب فقد انتهت مهامه بتوقف العمليات الحربية في تشرين الثاني 1918.
المراجع:
- أوراق المكتب العربي 1916 – 1918 Arab Bureau Papers في الوثائق البريطانية العامة Public Record Office تحت رقم O.882.
- النشرة العربية Arab Bulletin 1916 – 1918.
- جريدة الكوكب: القاهرة 1916-1918.
- خيرية قاسمية: النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصفد 1908 -1918، بيروت 1973.
- Kedourie, E.: England and The Middle East, The Destruction of Ottoman Empire 1914-1921 London 1956.
المكتب العربي في لندن: رَ: المركز العربي