جاءت فكرة انعقاد مؤتمرات القمة الاقتصادية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا (The Economic Summit For The Middle East And North Africa – MENA) نتيجة لعملية السلام التي بدأت بمؤتمر مدريد* في نهاية عام 1991، ولتكون رديفاً اقتصادياً داعماً لمسيرة السلام في المنطقة، لإعادة ترتيب الشرق الأوسط وشمال افريقيا وفق المصالح الأمريكية والإسرائيلية. ولتحل المصالح الاقتصادية المتشابكة مع دول المنطقة، محل الحروب والصراعات التي كانت السمة الأساسية في الشرق الأوسط طيلة، أكثر من نصف قرن. وبهدف أن تدخل (إسرائيل) إلى منظومة دول الشرق الأوسط، على حساب النظام الإقليمي العربي، ولربطها بمشاريع اقتصادية مشتركة مع الدول العربية، دعماً لعملية السلام. وكان وزير خارجية (إسرائيل) شيمون بيريز قد دعا إلى كتابه (الشرق الأوسط الجديد) إلى تشكيل الشرق الأوسط على أسس جديدة قائمة على التعاون الاقتصادي والأمني بين دول الاقليم على أساس أن إيجاد مصالح اقتصادية مشتركة بين الدول العربية و(إسرائيل) بمساهمة من الاستثمارات الأجنبية، يمكن أن يؤدي إلى الوصول إلى حل سلمي للصراع العربي – الإسرائيلي، وإلى إدامته. وجاءت مؤتمرات القمة الاقتصادية الأربعة التي انعقدت في الدار البيضاء (المغرب) 1994، وعمان (الأردن) 1995، والقاهرة (مصر) 1996، والدوحة (قطر) 1997، لتكرس سياسة جديدة في العلاقات بين الدول العربية و(إسرائيل)، بتشجيع واضح من الولايات المتحدة الأمريكية التي دعت على لسان وزير خارجيتها وارن كريستوفر، إلى الاستفادة من المؤتمرات الاقتصادية، من أجل “ترجمة وعود السلام إلى مكاسب حقيقية من الممكن أن ترفع مستوى المواطن العادي وعن طريق منح الأفراد والمجتمعات جانباً من فوائد السلام تمهد الطريق المصالحة الحقيقية بين الشعوب”. وكانت المؤتمرات تعقد تحت رعاية وتنظيم المنتدى الاقتصادي العالمي(World Economic Forum) الذي مقره مدينة دافوس في سويسرا، من أجل ربط عملية السلام في الشرق الأوسط بالآثار الإيجابية، على صعيد المصالح الاتصادية لدول المنطقة.
مؤتمر قمة الدار البيضاء الاقتصادي:
عقد مؤتمر القمة الاقتصادي الأول في الدار البيضاء في تشرين الأول/أكتوبر 1994، بعد دخول قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى الأراضي الفلسطينية، تنفيذاً لاتفاق أوسلو بين قيادة المنظمة وإسرائيل، وبعد توقيع الأردن على اتفاق السلام مع إسرائيل في وادي عربة. وحضر المؤتمر الذي استمر ثلاثة أيام(2500) مشارك من (61) دولة، معظمهم من رجال الأعمال، وممثلون عن جميع الدول العربية باستثناء سوريا ولبنان اللتين قاطعتا المؤتمر، وشاركت فيه الولايات المتحدة والدول الأوروبية والآسيوية. وترأس وفود بعض الدول العربية رؤساء دولياً وحكوماتها وحضره الأمين العام لجامعة الدول العربية عصمت عبد المجيد. مما أصغى على المؤتمر، الذي افتتحه الملك المغربي الملك الحسن الثاني وبحضور وزير الخارجية الأمريكية وارن كريستوفر، أهمية كبيرة. ووصف المؤتمر عند انعقاده بأنه منتدى دولي لتسويق مشروعات التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط. وأرادت (إسرائيل) اقناع رأس المال العربي والأجنبي بالاستثمار في الشرق الأوسط، من أجل تقوية السلام، على أساس أنه لا ينجح إلا من خلال تقوية البناء الاقتصادي للسلام. كما أنها أرادت أن تظهر للعالم وخاصة الشركات الكبيرة، أن المقاطعة العربية الاقتصادية قد انتهت. إلا أن المؤتمر لم يشهد تنسيقاً عربياً-عربياً متكاملاً، في مواجهة التنسيق الأمريكي – الإسرائيلي.
دعا المؤتمر إلى تشجيع الاستثمارات الإقليمية، وإلى التبادل العالمي والتكنولوجي، وإلى إقامة مؤسسات اقتصادية إقليمية، كبنك التنمية، وهيئة إقليمية للسياحة، وغرفة تجارية إقليمية ومجلس للأعمال تابعين للقطاع الخاص في دول المنطقة، وإنشاء لجنة توجيه تضم ممثلي الحكومات، وسكرتارية تنفيذية لمساعدة اللجنة التوجيهية يكون مقرها المغرب، وجاء في البيان الختامي الصادر عن المؤتمر، دعوة إلى إقامة علاقات طبيعية بين دول الشرق الأوسط، وإلى أن “السلام سوف يسهم في خلق الأسس والحوافز لتشجيع التجارة والاستثمارات، والتي تسهم بدورها في بناء دعائم اقتصادية تخدم السلام وتجعله يقام على أسس متينة” ولهذا فإن البيان انتقد استمرار المقاطعة الاقتصادية العربية (لإسرائيل). وقد كانت (إسرائيل) أكثر المستفيدين من المؤتمر، لأن الدول العربية اعترفت ولأول مرة بالدور الإقليمي الجديد لها في الشرق الأوسط، ومنها الدول التي لم توقع اتفاقيات سلام معها. كما أن (إسرائيل) التي كان وفدها من أكبر الوفود المشاركة، قدمت للمؤتمر 150 مشروعاً استثمارياً تغطي كافة المجالات الاستراتيجية والحيوية. بينما قدمت مصر 40 مشروعاً والأردن عشرة مشاريع والمغرب ثلاثة. وطالب البيان الختامي بوجوب تنشيط عملية التنمية الشاملة للمنطقة، والتخلص من كافة العوائق على التجارة والاستثمار وعلى حرية تنقل الأفكار والحوارات لما لها من أهمية على عملية التنمية، وأوصى المؤتمر يعقد دورته الثانية في عمان.
مؤتمر قمة عمان الاقتصادي:
عقد مؤتمر القمة الاقتصادي الثاني في عمان، في تشرين الأول/أكتوبر عام 1995، بعد سنة واحدة من انعقاد مؤتمر الدار البيضاء وسط شكوك حول جدوى انعقاد المؤتمرات الاقتصادية، في أجواء خلافات عربية – عربية واتهامات متبادلة عن(هرولة بعض الدول) لتطبيع علاقاتها مع (إسرائيل) من دون تنسيق مع الدول الأخرى. وتوتر في الخلافات الفلسطينية – الإسرائيلية، على أثر اغتيال أمين عام منظمة الجهاد الإسلامي الفلسطينية فتحي الشقاقي* في مالطة، وتأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي على أن القدس* العاصمة الموحدة (لإسرائيل)، وصدور قرار من الكونجرس الأمريكي، بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب* إلى القدس في نهاية عام 1999. وحصل تراجع في عدد الحضور، إذ شارك في المؤتمر حوالي 2000 ممثل من 63 دولة وعرضت مشاريع بقيمة 100 مليار دولار. وكان التركيز في المؤتمر على إنشاء الهيكل المؤسس اللازم لتنفيذ التوصيات التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر الدار البيضاء، بعد أن لاحظ المجتمعون في عمان، أنه لم تنفذ أي من تلك التوصيات.
وحاول المؤتمر توفير قاعدة واسعة من المعلومات عن المشاريع ذات المنفعة المشتركة، من خلال إيجاد نظام إقليمي قوي في الشرق الأوسط يمر عبر ثلاث مراحل:
- إقامة مشاريع تعاون مشتركة ثنائية ومتعددة الأطراف.
- إشراك مؤسسات دولية في انجاز مشاريع تتطلب استثمارات رأسمالية كبيرة.
- تطبيق سياسة اقتصادية المجموعة الإقليمية تترافق مع إقامة مؤسسات إقليمية رسمية وتطويرها، كبنك التنمية.
ومن النتائج التي توصل إليها المؤتمر، استمرار مناقشة إنشاء بنك التنمية التي أوصى به مؤتمر الدار البيضاء. ومع أن مؤتمر عمان وافق على أن تكون القاهرة مقر البنك. وأن يكون رأس ماله خمسة مليارات دولار، وأن يكون رأس ماله المدفوع ملياراً ومئتين وخمسين مليون دولار، إلا أنه بقي حبراً على ورق. وكانت الولايات المتحدة و(إسرائيل)، من أكثر المتحمسين لإنشاء البنك، على أساس أن الدول العربية الخليجية سوف تشارك في رأس ماله، وستكون مشاريع التنمية التي سيقوم بها البنك في (إسرائيل)، التي ستحصل على الأموال العربية بطريقة تخدم اقتصادها. كما أن الولايات المتحدة وجدت في بنك التنمية وسيلة تطبيع للعلاقات بين الدول العربية و(إسرائيل). إلا أن الدول العربية الخليجية لم تقتنع بفكرة إنشاء البنك، لوجود العديد من بنوك التنمية العربية التي تقوم بمهمة البنك المقترح في الدول العربية.
وناقش المؤتمر عدة برامج للتعاون في مجالات السياحة والزراعة والنقل والتجارة والمياه، وأهمها كان مشروع تنمية وادي الأردن*، من طبرية* إلى البحر الأحمر*. وكانت معظم المشاريع تقع في المناطق الحدودية للأطراف الداخلية فيها، على أساس أن تلك سوف يمنع نشوب حروب وصراعات بين تلك الدول. وإلى تشكيل مجلس السياحة والسفر للشرق الأوسط والبحر المتوسط. ويكون مقره في تونس، من أجل تسويق المنطقة باعتبارها إقليماً سياحياً، وتطوير قطاع السياحة في دول الشرق الأوسط، وإلى تحديث مطاري العقبة ورأس النقب بسيناء ليكونا مطارين دوليين، وتنفيذ مشروع لنقل الغاز الطبيعي من قطر لإسرائيل. وشكل المؤتمر مجموعة عمل تطوير الاقتصاد الإقليمي، يكون مقرها عمان من أجل تطوير البنية التحتية في دول المنطقة وإيجاد المناخ المناسب للمشاريع المشاركة.
وانتهى مؤتمر عمان الاقتصادي، دون التوصل إلى نتائج كبيرة إلا أن (إسرائيل) كانت المستفيدة الرئيسية من المشاركة في المؤتمر، فقد نجحت في تطبيع علاقاتها مع بعض الدول العربية، وفي إيجاد علاقات بين رجال الأعمال العرب و(الإسرائيليين).
مؤتمر القاهرة الاقتصادي:
تراجع التفاؤل الذي وضعه القائمون على مؤتمرات القمم الاقتصادية، في مؤتمر قمة القاهرة الذي انعقد ما بين 12-14 تشرين الثاني/نوفمبر 1996، بعد وصول تكتل الليكود اليميني بزعامة بنيلمين نتياهو لرئاسة الحكومة الإسرائيلية. وتضاؤل اهتمامه بالبعد الاقتصادي في العلاقات مع الدول العربية، يعكس ما كان عليه رابين وبيريز في مؤتمري الدار البيضاء وعمان. فقد اهتم نتنياهو بقضية الأمن أكثر من اهتمامه بالسلام والاقتصاد. كما تراجع نتنياهو عن تطبيق الاتفاقيات التي كانت قد وقعت مع السلطة الفلسطينية في عهد حكومات رابين وبيريز. وبينما كان عنوان مؤتمري الدار البيضاء وعمان (التعاون الاقليمي والتنمية الاقتصادية). فقد كان عنوان مؤتمر القاهرة (الفرص الاستشارية). إلا أن عدد المشاركين في مؤتمر القاهرة ارتفع عن عدد المشاركين في مؤتمري الدار البيضاء وعمان، فقد بلغ 3000 مشارك، منهم 1500 رجل أعمال من القطاع الخاص، يمثلون 90 دولة.
قدمت مصر في مؤتمر القاهرة 188 مشروعاً بقيمة 33 مليار و550 مليون دولار، وقدمت (إسرائيل) 139 مشروعاً بقيمة 13 مليار و350 مليون دولار، مقابل 218 مشروعاً بتكلفة 24.7 مليار كانت قد تقدمت بها إلى مؤتمر عمان. مما يدل على التراجع الذي حدث في المشاريع التي تقدمت بها (إسرائيل). وناقش المؤنمر أهمية التنمية الاقتصادية على عملية السلام، وضرورة إزالة العقبات التي تعترضها.
مؤتمر الدوحة الاقتصادي:
عقد المؤتمر الاقتصادي الرابع في الدوحة، عاصمة قطر في الفترة ما بين 16-18 تشرين الثاني/نوفمبر 1997، في وقت زاد فيه الجدل حول جدوى المؤتمرات الاقتصادية، والدعوة لالغائها، بسبب تعثر عملية السلام والمفاوضات بين السلطة الوطنية الفلسطينية* و(إسرائيل)، وتعنتها وعدم التزامها بتنفيذ الاتفاقيات التي وقعتها مع الفلسطينيين. مما أدى إلى مقاطعة كل من مصر والمملكة العربية السعودية وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية ولبنان والمغرب والجزائر، للمؤتمر، وشاركت فيه تسع دول عربية فقط، وهي، الأردن واليمن وقطر وسلطنة عمان والكويت وتونس وموريتانيا وجيبوتي وجزر القمر. ومورست ضغوط دولية على بعض الدول العربية لحضور المؤتمر، الذي كاد أن يفشل منذ بداية انعقاده. كما انخفض مستوى التمثيل في المؤتمر من رؤساء الدول والحكومات إلى وكلاء وزراء وممثلين عاديين. إلا أن الوفد الأمريكي كان أكبر الوفود، وترأسته وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت، وتلاه الوفد الإسرائيلي من حيث حجم الوفد. وتراجع عدد الدول المشاركة في المؤتمر إلى 65 دولة، بحضور 850 رجل أعمال.
وبسبب الظروف التي انعقد فيها المؤتمر، لم يشهد كالمؤتمرات السابقة تنافساً بين الدول المشاركة في تقديم المشاريع وفي استقطاب الاستثمارات. بل أن معظم الدول العربية التي شاركت في المؤتمر لم تتقدم بأي مشروع. وكانت الأردن وقطر قد حصلتا على بعض الصفقات، فقد وقع الأردن (وإسرائيل) على إنشاء منطقة صناعية في أربد، وجددت قطر بحث مشروع نقل الغاز الطبيعي إلى (إسرائيل).
وانتقد البيان الختامي الصادر عن المؤتمر (إسرائيل) لممارساتها ضد الفلسطينيين وسلطتها في تنفيذ الاتفاقيات التي وقعتها معهم. كما طالب البيان انسحابها من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967. طبقاً لقراري 242 و338، وضرورة تنفيذها للاتفاقيات مع الفلسطينيين، وأشار البيان إلى الأوضاع المتردية للاقتصاد الفلسطيني، بسبب سياسة الإغلاق التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية بحجج وذرائع أمنية.
ورفضت أي من الدول العربية أن تعلن عن رغبتها في استضافة المؤتمر القادم في أراضيها، كما رفض اقتراح (إسرائيل) بانعقاد المؤتمر فيها مما أدى إلى تعليق عقده.
كانت (إسرائيل) المستفيدة الرئيسة من انعقاد المؤتمرات الأربعة، فقد أرادت أن يقوم رجال الأعمال الإسرائيليين ببناء شبكة من العلاقات مع رجال الأعمال العرب، لإقامة مشاريع مشتركة معهم، لكي تستفيد منهم بممارسة الضغط على الحكومات العربية في حال توتر علاقاتها معها، لكي تصبح المصالح الاقتصادية المشتركة هي التي تتحكم بالعلاقات السياسية بينها وبين الدول العربية. وتخدم كذلك عملية تطبيع العلاقات بينها وبين العرب. كما هدفت إلى تسويق منتجاتها في الأسواق العربية، وأن تحصل على بعض الاستثملرات العربية في الاقتصاد الإسرائيلي.
المراجع:
- عبد الفتاح الجبالي: المؤتمرات الاقتصادية الشرق الأوسطية: الأهداف، النتائج، التوقعات، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 30، ربيع 1997، بيروت.
- عبد المنعم المشاط: قمة الدار البيضاء الاقتصادية، مجلة السياسة الدولية، العدد 119، يناير 1995، القاهرة.
- عزام البرغوثي: القمة الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عمان، مركز دراسات الشرق الأوسط، 1997.
- نيرمين السعدني: مؤتمرات التعاون الشرق أوسطي: الإيجابيات والسلبيات، مجلة السياسة الدولية، العدد 127، يناير 1997، القاهرة.
- يوسف صايغ: البعد الاقتصادي للصراع العربي – الإسرائيلي، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 36، خريف 1998، بيروت.