نظمت المادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة أحكام العضوية اللاحقة او العضوية بالانضمام في هذه المنظمة الدولية على النحو التالي:
“1) العضوية في الأمم المتحدة مباحة لجميع الدول الأخرى المحبة للسلام التي تأخذ نفسها بالالتزامات التي ينظمها هذا الميثاق، والتي ترى الهيئة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات وراغبة فيه.
“2) قبول أي دولة من هذه الدول في عضوية الأمم المتحدة يتم بقرار من الجمعية العامة بناء على توصية مجلس الأمن”.
وقد فسرت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في 28/5/1948 نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة السالفة الذكر وبينت أن الجهة التي تتقدم للعضوية يجب أن تتوفر فيها الشروط التالية:
1) أن تكون دولة.
2) أن تكون محبة للسلام.
3) أن تقبل التزامات الميثاق.
4) أن تكون قادرة على تنفيذ تلك الالتزامات.
5) أن تكون راغبة في تنفيذ تلك الالتزامات.
وكان قبول الأعضاء الجدد في الأمم المتحدة محل نقاش ونزاع شديدين ترتب عليهما عدم قبول أغلب الدول الراغبة في الانضمام. وبذا تعطلت أحكام المادة الرابعة عملياً لمدة تقرب من تسع سنوات. وعرف ذلك باسم “أزمة العضوية”، وخلاصتها أن قبول العضو الجديد كان يخضع لعوامل سياسية بحتة تتمسك بها كل من الكتلتين المناهضتين في الأمم المتحدة. فالاتحاد السوفييتي* وقف في وجه كل دولة وجدها موالية للغرب مستعيناً على ذلك باستخدام حقه في النقض في مجلس الأمن (الفيتو). في حين وقفت الكتلة الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية* في وجه كل دولة رأتها مرتبطة بالاتحاد السوفييتي مستعينة على ذلك بالأغلبية التي تمتعت بها داخل مجلس الأمن والجمعية العامة معاً. وقد ظل هذا النزاع قائماً من يوم ولادة الأمم المتحدة حتى 15/12/1955، إذ تم الاتفاق بين العملاقين على ما عرف “بالصفقة الإجمالية Package Deal” وبموجبها أزمة العضوية.
في أثناء أزمة العضوية هذه وصل عدد الطلبات التي تعثرت، إما في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة، إلى نحو ثلاثين طلباً لم يقبل منها سوى تسعة طلبات فقط: ثمانية منها لدول ساعدها وضعها السياسي المعروف خلال مرحلة إنشاء الأمم المتحدة على الحصول على العضوية، أما الطلب التاسع الذي حظي بالقبول. ولأسباب خاصة وشاذة، فكان طلب الدولة الصهيونية (إسرائيل). وهكذا كانت (إسرائيل) من الدول التسع المحظوظة التي وصلت إلى عضوية المنظمة الدولية في فترة عزت فيها العضوية حتى على دول لا مراء في أنها تستحقها.
بدعم وتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية، تقدمت الحكومة المؤقتة (لإسرائيل) في نهاية عام 1948 بطلب انضمامها للأمم المتحدة في محاولة واضحة لإسباغ الشرعية الدولية على هذا الكيان الجديد. وفي الجلسة التي عقدها مجلس الأمن لمناقشة الطلب جرى حوار فقهي حاد بين المندوب السوري من جهة ومندوب الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى حول مدى انطباق شروط العضوية على (إسرائيل). فقد أصر المندوب السوري في سياق حملته على أن (إسرائيل) ليست دولة بالمعنى المعروف في القانون الدولي، فحدودها غير محددة، كما أنها ليست محبة للسلام، ولا أدل على ذلك من مسؤوليتها عن مقتل وسيط الأمم المتحدة الكونت فولك برنادوت ذاته، إضافة إلى طابعها العدواني أصلاً. أما المندوب الأمريكي فقد راح يحاول البرهنة على جدارة إسرائيل بالعضوية، ورفض الحجة السورية في وجوب كون الكيان السياسي ذا حدود محددة ومعروفة حتى نعده دولة بموجب قواعد القانون الدولي. وقد تجاهل بذلك ما استقر عليه التعامل الدولي حتى الآن، بما في ذلك تعامل حكومته باللذات التي هي طرف في “معاهدة مونتيفيدو” الموقعة في 26/11/1933، والتي تنص على أنه لكي تعد الدولة شخصا من أشخاص القانون الدولي لا بد أن تتوافر فيها أربعة عناصر ثانيها حيازتها “لإقليم محدد”.
في جلسة 2/12/1948غدا واضحاً أن دولتين فقط في مجلس الأمن ، هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، كانتا متحمستين للتوصية بقبول (إسرائيل) في الأمم المتحدة. أما بقية الدول الأعضاء في المجلس فقد كان رأيها أن قبول (إسرائيل) سابق لأوانه. وقد أحال مجلس الأمن، حسب الأصول المرعبة، طلب القبول إلى “لجنة قبول الأعضاء الجدد فيه”. وبعد خمسة أيام أعلنت اللجنة “عدم تمكنها من جميع المعلومات الضرورية التي تحولها اتخاذ قرار البت في المسألة”.
وخروجاً على الإجراءات المعتادة قرر مجلس الأمن التصويت على القبول. لكن المشروع القاضي بذلك فشل في الحصول على الأصوات السبعة المطلوبة فقد صوتت إلى جانبه الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وأوكرانيا والأرجنتين وكولومبيا وعارضته سورية في حين امتنعت بلجيكا وكندا وفرنسا وبريطانيا والصين عن التصويت.
وفي شباط 1949 تقدمت (إسرائيل) بطلب جديد لقبولها عضواً في الأمم المتحدة. وعرض الموضوع على مجلس الأمن في 4/3/1949. وعند إجراء الاقتراع صوت 9 أعضاء إلى جانب قبولها (الأرجنتين، وكندا، والصين، وكوبا، وفرنسا، والنروج، وأوكرانيا، والاتحاد السوفييتي، والولايات المتحدة الأمريكية) في حين عارضت مصر هذا القبول، وامتنعت بريطانيا عن التصويت. وفيما يلي قرار مجلس الأمن رقم 69 (1949) القاضي بالتوصية بقبول (إسرائيل) عضواً في الأمم المتحدة:
“إن مجلس الأمن، وقد تلقى طلب إسرائيل الدخول في عضوية الأمم المتحدة، ونظر فيه، يقرر أن إسرائيل، في رأيه، دولة محبة للسلام وقادرة وعازمة على تنفيذ الالتزامات التي يتضمنها الميثاق. وبناء على ذلك يوصي الجمعية العامة بقبول إسرائيل لعضوية الأمم المتحدة”.
وأحيلت توصية مجلس الأمن هذه إلى الجمعية العامة للنظر فيها. وهناك تجددت المناقشات القانونية والسياسية حادة ودقيقة بين المجموعة العربية والأقليمية من الدول الأعضاء التي وقفت معها تعارض قبول (إسرائيل) من جهة، والأغلبية التي كانت بالغة الحماسة لقبول الدولة الصهيونية من جهة أخرى. وغدا واضحاً من المناقشات التي تزعمتها الولايات المتحدة الأمريكية خاصة أغارت أذنا صماء لكل الحجج القانونية التي سبقت ضد أهلية (إسرائيل) لعضوية المنظمة الدولية، وأصرت على تفسير المادة الرابعة من الميثاق تفسيراً سياسياً محضاً يخدم هدفها في إدخال (إسرائيل) إلى الأمم المتحدة بأي ثمن. فقد تقدم لبنان مثلاً باقتراح في الجمعية العامة يدعو إلى إرجاء قبول عضوية (إسرائيل) إلى أن تعلن بوضوح قبولها تدويل القدس* وإعادة أو تعويض اللاجئين. لكن الاقتراح رفض حين حصل 19 صوتاً فقط في حين عارضته 25 دولة. واقترحت تشيلي تعديل مشروع قرار قبول (إسرائيل) بإدخال فقرة شرطية تنص على ما يلي: “إن مجلس الأمن، إذ يشير إلى قرارات 29/10/1947 و11/12/1948 والقرار رقم 194(د-3) بخصوص حقوق اللاجئين، وإذ يحبط علما بأن الإيضاحات والشروط التي قدمها ممثل حكومة إسرائيل أمام اللجنة الخاصة بشأن تطبيق القرارات سالفة الذكر…”.لكن هذا الاقتراح ذاته لقي في البداية معارضة عنيفة من جانب مجموعة من الدول أصرت على وجوب قبول (إسرائيل) في الأمم المتحدة بلا قيد ولا شرط.
وأخيراً، ولكي يضمن أنصار (إسرائيل) الأغلبية اللازمة لإصدار قرار يضمن لها العضوية كيفما كان، وافقوا على الأخذ بالاقتراح التشيلي. وكان أن صدر قرار الجمعية العامة رقم 273 (3) بتاريخ 11/5/1949 ونصه الآتي:
“إن الجمعية العامة،
“وقد تسلمت تقرير مجلس الأمن بشأن طلب إسرائيل الدخول في عضوية الأمم المتحدة،
“وإذ تلاحظ أن إسرائيل، بحسب تقدير مجلس الأمن، دولة محبة للسلام، وقادرة على تحمل الالتزامات الواردة في الميثاق، وراغبة في ذلك.
“وإذ تلاحظ أن مجلس الأمن قد أوصى الجمعية العامة بقبول إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة،
“وإذ تلاحظ أيضاً تصريح دولة إسرائيل بأنها تقبل، دون تحفظ، الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة منذ اليوم الذي تصبح فيه عضواً في الأمم المتحدة،
“وإذ تذكر قراريها الصادرين في 29 تشرين الثاني 1947 وفي 11 كانون الأول 1948، وإذ تأخذ علماً بالتصريحات والإيضاحات التي صدرت عن ممثل حكومة إسرائيل أمام اللجنة السياسية الخاصة فيما يتعلق بتطبيق القرارات المذكورة….
“فإن الجمعية العامة،
“عملاً بتأدية وظائفها المنصوص عليها في المادة 4 من الميثاق والقاعدة 125 من قواعد الإجراءات:
“1) تقرر أن إسرائيل دولة محبة للسلام، راضية بالالتزامات الواردة في الميثاق، قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات، وراغبة في ذلك.
“وتقرر أن تقبل إسرائيل في الأمم المتحدة”.
وتجدر الإشارة إلى أن 37 دولة أيدت هذا القرار في حين عارضته 12 دولة (أفغانستان، بورما، مصر، الحبشة، الهند، إيران، العراق، لبنان، باكستان، المملكة العربية السعودية، سورية، اليمن) وامتنعت تسع دول عن التصويت. وهكذا أصبحت (إسرائيل) بدءاً من 11/5/1949 العضو التاسع والخمسين في الأمم المتحدة.
وعلى إثر إعلان نتيجة التصويت تتابع المندوبون العرب واحداً بعد الآخر يعلنون أن قبول المنظمة الدولية (لإسرائيل) عضوا فيها، إضافة إلى أنه عمل غير شرعي وفقاً لأحكام الميثاق، لا يعني ولا يمكن أن يعني بحال من الأحوال اعتراف الدول العربية بها، فالاعتراف كما يعرفه القانون الدولي شيء مستقل تماماً عن الوجود مع الدولة المعنية في المنظمة الدولية. وقد تناقش الفقهاء الغربيون كثيراً حول هذه النظرية وانتهت غالبيتهم إلى الإقرار بأنها سليمة.
كان قبول (إسرائيل) في الأمم المتحدة أول قبول شرطي لدولة عضو، وهو الوحيد حتى الآن. فقد جعلت هذه العضوية مرهونة باحترام الدولة الصهيونية لقرارات الأمم المتحدة الخاصة بالتقسيم، وبحق العودة للشعب الفلسطيني المهجر، والتعويض عليه. غير أن (إسرائيل) التي التزمت رسمياً باحترام هذه القرارات لم تفي بالتزاماتها بل، على العكس تماماً، اتجهت تصرفاتها قبل العضوية وبعدها في الطريق المضاد. فلا هي احترمت حدود التقسيم (رَ: تقسيم فلسطين) وشروطه، ولا هي أقرت، أو تقر، حق الشعب الفلسطيني في العودة (رَ: العودة، حق) والتعويض. ورغم هذا كله لم تفكر المنظمة الدولية يوماً ما في مساءاتها عن خرق شروط العضوية، أو حتى عن إمعانها في خرق التزاماتها بموجب الميثاق. وهو ما يبرر من الناحية القانونية فصلها من الأمم المتحدة عملاً بالمادة السادسة منه.
لقد كان نجاح الحركة الصهيونية وحلفائها في إدخال (إسرائيل) منظمة الأمم المتحدة الانتصار الكبير الثاني من حيث الأهمية بعد إنشاء الدولة ذاتها.
المرجع:
– وثائق الأمم المتحدة: السنة الرابعة، آذار 1949.
“إسرائيل الكبرى”: رَ: التوسعية الصهيونية
أسطول : رَ: معاوية (أسطول-)